الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          124 - مسألة : وتطهير دم الحيض أو أي دم كان ، سواء دم سمك كان أو غيره إذا كان في الثوب أو الجسد فلا يكون إلا بالماء ، حاشا دم البراغيث ودم الجسد فلا يلزم تطهيرهما إلا ما لا حرج في غسله على الإنسان ، فيطهر المرء ذلك حسب ما لا مشقة عليه فيه . حدثناعبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا جميعا : ثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : { جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة ؟ قال لا ، إنما ذلك عرق وليست بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي } وهذا عموم منه صلى الله عليه وسلم لنوع الدم ولا نبالي بالسؤال إذا كان جوابه عليه السلام قائما بنفسه غير مردود بضمير إلى السؤال .

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن هشام بن عروة حدثتني فاطمة - هي بنت المنذر بن الزبير - عن أسماء - هي ابنة أبي بكر الصديق - قالت { أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع ؟ قال : تحته ثم تقرصه بالماء وتنضحه وتصلي فيه } [ ص: 116 ] ويستحب أن تستعمل في غسل المحيض شيئا من مسك ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا يحيى ثنا بن عيينة عن منصور بن صفية عن أمه عن عائشة { أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل . قال : خذي فرصة من مسك فتطهري بها ، قالت : كيف أتطهر بها ؟ قال : سبحان الله ، تطهري فاجتبذتها إلي فقلت : تتبعي بها أثر الدم } .

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أحمد بن سعيد الدارمي ثنا حبان - هو ابن هلال - ثنا وهيب ثنا منصور - هو ابن صفية - عن أمه عن عائشة { أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم كيف أغتسل عند الطهر ؟ فقال : خذي فرصة ممسكة فتوضئي بها } ثم ذكر نحو حديث سفيان . قال علي : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تتطهر بالفرصة المذكورة - وهي القطعة - وأن تتوضأ بها ، وإنما بعثه الله تعالى مبينا ومعلما ، فلو كان ذلك فرضا لعلمها عليه السلام كيف تتوضأ بها أو كيف تتطهر ، فلما لم يفعل كان ذلك غير واجب مع صحة الإجماع جيلا بعد جيل ، على أن ذلك ليس واجبا ، فلم تزل النساء في كل بيت ودار على عهده صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا يتطهرن من الحيض ، فما قال أحد إن هذا فرض ، ويكفي من هذا كله أنه لم تسند هذه اللفظة إلا من طريق إبراهيم بن مهاجر وهو ضعيف ، ومن طريق منصور بن صفية وقد ضعف ، وليس ممن يحتج بروايته ، فسقط هذا الحكم جملة ، والحمد لله رب العالمين . وكل ما أمرنا الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم فيه بالتطهير أو الغسل فلا يكون إلا بالماء ، أو بالتراب إن عدم الماء ، إلا أن يأتي نص بأنه بغير الماء فنقف عنده ، لما حدثناه [ ص: 117 ] عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قال أبو بكر ثنا محمد بن فضيل عن أبي مالك الأشجعي ، وقال أبو كريب ثنا ابن أبي زائدة - هو يحيى بن زكريا - عن أبي مالك - هو سعد بن طارق - عن ربعي بن حراش عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فضلنا على الناس بثلاث } فذكر فيها - { وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا ، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء } ولا شك في أن كل غسل مأمور به في الدين فهو تطهر وليس كل تطهر غسلا ، فصح أنه لا طهر إلا بالماء أو بالتراب عند عدم الماء . وقال أبو حنيفة : دم السمك كثر أو قل لا ينجس الثوب ولا الجسد ولا الماء ودم البراغيث والبق كذلك ، وأما سائر الدماء كلها فإن قليلها وكثيرها يفسد الماء ، وأما في الثوب والجسد : فإن كان في أحدهما منه مقدار الدرهم البغلي فأقل فلا ينجس ويصلى به ، وما كان منه أكثر من قدر الدرهم البغلي فإنه ينجس وتبطل به الصلاة ، فإن كان في الجسد فلا يزال إلا بالماء ، وإذا كان في الثوب فإنه يزال بالماء وبأي شيء أزاله من غير الماء ، فإن كان في خف أو نعل ، فإن كان يابسا أجزأ فيه الحك فقط ، وإن كان رطبا لم يجزئ إلا الغسل بأي شيء غسل . وقال مالك : إزالة ذلك كله ليس فرضا ، ولا يزال إلا بالماء . وقال الشافعي إزالته فرض ولا يزال إلا بالماء . قال علي : قال الله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } وقال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وقال تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } وبالضرورة ندري أنه لا يمكن الانفكاك من دم البراغيث ولا من دم الجسد ، فإذ ذلك كذلك فلا يلزم من غسله إلا ما لا حرج فيه ولا عسر مما هو في الوسع . وفرق بعضهم بين دم ما له نفس سائلة ودم ما ليس له نفس سائلة ، وهذا خطأ لأنه قول لم يأت به قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس . وفرق بعضهم بين الدم المسفوح وغير المسفوح ، وتعلقوا بقوله تعالى : { أو دما مسفوحا } وقد قال تعالى : { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم [ ص: 118 ] الخنزير } فعم تعالى كل دم وكل ميتة ، فكان هذا شرعا زائدا على الآية الأخرى ، ولم يخص تعالى من تحريم الميتة ما لها نفس سائلة مما لا نفس لها .

                                                                                                                                                                                          وتعلق بعضهم في الدرهم البغلي بحديث ساقط ، ثم لو صح لكان عليهم ; لأن فيه الإعادة من قدر الدرهم ، بخلاف قولهم ، وقال بعضهم : قيس على الدبر ، فقيل لهم فهلا قستموه على حرف الإحليل ومخرج البول ، وحكمهما في الاستنجاء سواء ، وقد تركوا قياسهم هذا إذ لم يروا إزالة ذلك من الجسد بما يزال به من الدبر . وأما من لم ير غسل ذلك فرضا ، فالسنن التي أوردناها مخالفة لقوله . وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية