الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم

لما كان قولهم إنما كنا نخوض ونلعب اعتذارا عن مناجاتهم ، أي إظهارا للعذر الذي تناجوا من أجله ، وأنه ما يحتاجه المتعب : من الارتياح إلى المزح والحديث في غير الجد ، فلما كشف الله أمر استهزائهم ، أردفه بإظهار قلة جدوى اعتذارهم إذ قد تلبسوا بما هو أشنع وأكبر مما اعتذروا عنه ، وهو التباسهم بالكفر بعد إظهار الإيمان . فإن الله لما أظهر نفاقهم كان ما يصدر عنهم من الاستهزاء أهون فجملة لا تعتذروا من جملة القول الذي أمر الرسول أن يقوله ، وهي ارتقاء في توبيخهم ، فهي متضمنة توكيدا لمضمون جملة أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ، مع زيادة ارتقاء في التوبيخ وارتقاء في مثالبهم بأنهم تلبسوا بما هو أشد وهو الكفر ، فلذلك قطعت الجملة عن التي قبلها ، على أن شأن الجمل الواقعة في مقام التوبيخ أن [ ص: 252 ] تقطع ولا تعطف لأن التوبيخ يقتضي التعداد ، فتقع الجمل الموبخ بها موقع الأعداد المحسوبة نحو واحد ، اثنان ، فالمعنى لا حاجة بكم للاعتذار عن التناجي فإنكم قد عرفتم بما هو أعظم وأشنع .

والنهي مستعمل في التسوية وعدم الجدوى .

وجملة قد كفرتم بعد إيمانكم في موضع العلة من جملة لا تعتذروا تعليلا للنهي المستعمل في التسوية وعدم الجدوى .

وقوله : قد كفرتم يدل على وقوع الكفر في الماضي ، أي قبل الاستهزاء ، وذلك أنه قد عرف كفرهم من قبل . والمراد بإسناد الإيمان إليهم : إظهار الإيمان ، وإلا فهم لم يؤمنوا إيمانا صادقا . والمراد بإيمانهم : إظهارهم الإيمان ، لا وقوع حقيقته . وقد أنبأ عن ذلك إضافة الإيمان إلى ضميرهم دون تعريف الإيمان باللام المفيدة للحقيقة ، أي بعد إيمان هو من شأنكم ، وهذا تعريض بأنه الإيمان الصوري غير الحق ونظيره قوله - تعالى - الآتي وكفروا بعد إسلامهم وهذا من لطائف القرآن .

التالي السابق


الخدمات العلمية