الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وإن المنافقين يتربصون الدوائر بالمؤمنين بأن تتوالى نكباتهم، ولا يتوالى ما يسرهم; لأنهم أعداء كارهون، والعدو الكاره لا يتمنى لعدوه ما يسره، بل يتمنى له المكروه، ولذا قال تعالى: قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون .

                                                          قلنا: إن المنافقين لا يندمجون في جماعة يعيشون فيها، بل يكونون في جانب ومن معهم في جانب آخر، كما يفعل اليهود الذين مردوا على النفاق وأجادوه.

                                                          وكذلك كان اليهود بالمدينة الذين كانوا رأس النفاق فيها، فهم يعيشون مع المؤمنين وليست قلوبهم معهم، بل هواهم مع غيرهم أيا كان ذلك الذي يغاير جماعة المؤمنين كتابيا كان أو مشركا، فهم لا يعيشون مع جماعتهم إلا وجانبهم [ ص: 3329 ] لغيرهم; لأنهم لم يذوقوا طعم الاندماج مع الناس والإخلاص لهم، ولذا يعيشون مع المؤمنين ويتربصون بهم الدوائر.

                                                          ويقول الله تعالى آمرا نبيه: قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين يأمر الله تعالى نبيه أن يقول لهم هذا القول ولم يسنده تعالى إلى نفسه; لأنه فوق الجميع، إنما جعل الرسول يسنده إلى نفسه; لأنه من أحد الفريقين المتربصين، وإن كان الله تعالى مع المؤمنين.

                                                          والتربص: الانتظار، والاستفهام للإنكار بمعنى إنكار الوقوع بدليل الاستثناء، والمعنى: لا تنتظرون لنا إلا إحدى الحسنيين، والحسنيان هما: الاستشهاد، وذلك حسن في ذاته وعند المؤمنين; لأنه ينتهي بهم إلى الجنة، ونعم الانتهاء - أو النصر، وهو غاية حسنة عظيمة.

                                                          وإن نتيجة التربص لا يهواها المنافقون، فهم يتربصون الشر والفساد والخبال والاضطراب في جيش المؤمنين رغبة فيما يريدون، فيبين الله تعالى أن النتيجة تجيء عكس ما يبغون.

                                                          ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر من ربه، وباللفظ النازل على النبي من الله رب العالمين: ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا

                                                          أي: نحن معشر المؤمنين ننتظر لكم أحد أمرين أيضا:

                                                          وهما أن يصيبكم الله تعالى بعذاب ينزله سبحانه وتعالى بكم كصاعقة من السماء تحرقكم، أو ريح تقلبكم من الأرض، أو تموتوا في داركم جاثمين، وهذا عذاب من عند الله، وإضافته سبحانه وتعالى إليه ينزله من عنده مظهرا لغضبه عليهم الذي يبوءون به، كما باء من قبل إخوان لهم في النفاق: اليهود ومن يواليهم.

                                                          والأمر الثاني عذاب من المؤمنين ينزلونه بتمكين الله تعالى منكم.

                                                          وهنا بعض إشارات بيانية:

                                                          منها: قوله تعالى: نتربص بكم فعبر بـ(كم) للإشارة إلى أن ما ينزل بهم عقاب في مقابل ما حكي عنهم في قوله تعالى: (تربصون).

                                                          [ ص: 3330 ] ومنها: قوله تعالى: (أو بأيدينا) للإشارة إلى القتال الذي يكون بالأيدي التي تبطش، وذلك إشارة إلى قوة المؤمنين المؤيدة بنصر الله تعالى العزيز الحكيم.

                                                          ويقول تعالى: فتربصوا إنا معكم متربصون الفاء فاء الإفصاح المنبهة عن شرط مقدر، أي: إذا كان هذا أمرنا وأمركم في التربص فتربصوا.

                                                          وهذه الجملة السامية فيها تهديد لهم بسوء العاقبة بالنسبة لهم، وبيان حسن العاقبة بالمؤمنين، والله تعالى بعزته ناصر جنده، وخاذل عدوه.

                                                          لا يقبل الإنفاق من منافق

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية