الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( وأما الهمز المتوسط ) المتحرك الساكن ما قبله فهو أيضا على قسمين : متوسط بنفسه ، ومتوسط بغيره . فالمتوسط بنفسه لا يخلو ذلك الساكن قبله من أن يكون ألفا أو ياء زائدة ، ولم يقع في القرآن منه واو زائدة . فإن كان ألفا فتسهيله بين بين ، أي : بين الهمزة وحركته بأي حركة تحرك نحو : ( شركاونا ، وجاوا ، وأولياوه ، وأوليك ، وخايفين ، والملايكة ، وجانا ، و دعاء ونداء ) وإن كان ياء زائدة أبدل وأدغم كما تقدم في المتطرف ، وذلك نحو ( خطية ، وخطياتكم ، وهنيا ، ومريا ، وبريون ) وإن كان الساكن غير ذلك فهو أيضا إما أن يكون صحيحا أو ياء أو واوا أصليين ، حرف مد ، أو حرف لين ، فتسهيله بالنقل كما تقدم في المتطرف سواء . فمثال الساكن الصحيح مع الهمزة المضمومة : ( مسئولا ، و مذؤما ) ومع المكسورة ( الأفئدة ) لا غير ، ومع المفتوحة ( القرآن ، و الظمآن ، و شطأه ، و تجأرون ، وهزؤا ، وكفؤا ) على قراءة حمزة ومن معه ، وكذلك ( النشأة ، و جزء ) ومثال الياء الأصلية وهي حرف مد ( سيئت ) لا غير ، ومثالها حرف لين ( كهيئة ، و استيئس ، وأخواته ، و شيئا ) حيث وقع ( و ييئس الذين ) ومثال الواو وهي حرف مد ( السوأى ) لا غير ، ومثالها وهي حرف لين ( سوأة أخيه ، و سوآتكم ، و سوآتهما ، و موئلا ، و الموءودة ) [ ص: 434 ] لا غير ، والمتوسط بغيره من المتحرك الساكن ما قبله لا يخلو ذلك الساكن من أن يكون متصلا به رسما ، أو منفصلا عنه ، فالمتصل يكون ألفا وغير ألف . فالألف تكون في موضعين : ياء النداء ، وهاء التنبيه ، نحو : ( ياآدم ، ياأولي ، ياأيها ) كيف وقع ( و ها أنتم ، و هؤلاء ) وغير الألف في موضع واحد ، وهو لام التعريف حيث وقع نحو ( الارض ، والاخرة ، والاولى ، والاخرى ، والانسان ، والاحسان ) فإنها تسهل مع الألف بين بين ، ومع لام التعريف بالنقل هذا هو مذهب الجمهور من أهل الأداء ، وعليه العراقيون قاطبة ، وأكثر المصريين والمغاربة ، وهو مذهب أبي الفتح فارس بن أحمد ، وبه قرأ عليه الداني ، وقال : إنه هو مذهب الجمهور من أهل الأداء ، واختياري ، وبه قرأ صاحب " التجريد " على شيخه الفارسي ، ورواه منصوصا عن حمزة غير واحد . وكذا الحكم في سائر المتوسط بزائد ، وهو ما انفصل حكما واتصل رسما مما سيأتي في أقسامه . وذهب كثير من أهل الأداء إلى الوقف بالتحقيق في هذا القسم وإجرائه مجرى المبتدأ ، وهو مذهب أبي الحسن بن غلبون ، وأبيه أبي الطيب ، وأبي محمد مكي ، واختيار صالح بن إدريس وغيره من أصحاب ابن مجاهد ، وورد منصوصا أيضا عن حمزة ، وبه قرأ صاحب " التجريد " على عبد الباقي . وذكر الوجهين جميعا صاحب " التيسير " ، و " الشاطبية " ، و " الكافي " ، و " الهداية " ، و " التلخيص " ، واختار في " الهداية " في مثل ( ها أنتم ، و ياأيها ) التحقيق لتقدير الانفصال ، وفي غيره التخفيف لعدم تقدير انفصاله ، وقال في " الكافي " : التسهيل أحسن إلا في مثل ( ها أنتم ، و ياأيها ) .

                                                          ( قلت ) : كأنهما لحظا انفصال المد ، وإلا فهو متصل رسما ، فلا فرق بينه وبين سائر المتوسط بزائد ، والله أعلم . والمنفصل رسما من الهمز المتحرك الساكن ما قبله فلا يخلو أيضا ذلك الساكن من أن يكون صحيحا ، أو حرف علة ، فالصحيح نحو ( من آمن ، قد أفلح ، قل إني ، عذاب أليم ، يؤده إليك ) قد اختلف أهل الأداء في تسهيل هذا النوع وتحقيقه ، فروى كثير منهم عن حمزة تسهيله [ ص: 435 ] بالنقل ، وألحقوه بما هو من كلمة ، ورواه منصوصا أبو سلمة ، عن رجاله الكوفيين ، وهذا مذهب أبي علي البغدادي صاحب " الروضة " ، وأبي العز القلانسي في إرشاده ، وأبي القاسم الهذلي ، وهو أحد الوجهين في " الشاطبية " ، وذكره أيضا ابن شريح في كافيه ، وبه قرأ على صاحب " الروضة " ، وهؤلاء خصوا بالتسهيل من المنفصل هذا النوع وحده ، وإلا فمن عمم تسهيل جمع المنفصل متحركا وساكنا كما سيأتي في مذهب العراقيين ، فإنه يسهل هذا القسم أيضا ; لأنه لم يفرق بينهما . وروى الآخرون تحقيقه من أجل كونه مبتدأ ، وجاء أيضا منصوصا عن حمزة من طريق ابن واصل ، عن خلف ، وعن ابن سعدان ، كلاهما عن سليم ، عن حمزة ، وهو مذهب كثير من الشاميين والمصريين وأهل المغرب قاطبة ، وهو الذي لم يجوز أبو عمرو الداني غيره ، ومذهب شيخه أبي الفتح فارس بن أحمد ، وأبي الحسن طاهر بن غلبون ، وأبي إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري من جميع طرقه ، وأبي عبد الله بن سفيان ، وأبي محمد مكي ، وسائر من حقق المتصل خطا من المنفصل ، بل هو عنده من باب أولى .

                                                          وقد غلط من نسب تسهيله إلى أبي الفتح ممن شرح قصيدة الشاطبي وظن أن تسهيله من زيادات الشاطبي على " التيسير " لا على طرق " التيسير " . فإن الصواب أن هذا مما زاد الشاطبي على " التيسير " ، وعلى طرق الداني ، فإن الداني لم يذكر في سائر مؤلفاته في هذا النوع سوى التحقيق ، وأجراه مجرى سائر الهمزات المبتدآت ، وقال في " جامع البيان " : وما رواه خلف وابن سعدان نصا ، عن سليم ، عن حمزة ، وتابعهما عليه سائر الرواة وعامة أهل الأداء من تحقيق الهمزات المبتدآت مع السواكن وغيرها وصلا ووقفا فهو الصحيح المعول عليه والمأخوذ به .

                                                          ( قلت ) : والوجهان من النقل والتحقيق صحيحان معمول بهما ، وبهما قرأت ، وبهما آخذ ، والله أعلم . وإن كان الساكن حرف علة فلا يخلو إما أن يكون حرف لين أو حرف مد ، فإن كان حرف لين نحو ( خلوا إلى ، و ابني آدم ) فإنه يلحق بالنوع قبله ، وهو الساكن الصحيح كما تقدم في بابي النقل [ ص: 436 ] والسكت .

                                                          فمن روى نقل ذلك عن حمزة روى هذا أيضا من غير فرق بينهما . وحكى ابن سوار ، وأبو العلاء الهمذاني وغيرهما وجهين من هذا النوع . أحدهما : النقل كما ذكرنا . قالوا : والآخر أن يقلب حرف لين من جنس ما قبلها ، ويدغم الأول في الثاني ، قالوا : فيصير حرف لين مشددا .

                                                          ( قلت ) : والصحيح الثابت رواية في هذا النوع هو النقل ليس إلا ، وهو الذي لم أقرأ بغيره على أحد من شيوخي ، ولا آخذ بسواه ، والله الموفق ، وإذا كان حرف مد فلا يخلو من أن يكون ألفا أو غيرها . فإن كان ألفا نحو ( بما أنزل ، لنا إلا ، و استوى إلى ) فإن بعض من سهل هذا الهمز بعد الساكن الصحيح بالنقل سهل الهمزة في هذا النوع بين بين ، وهو مذهب أبي طاهر بن هاشم ، وأبي بكر بن مقسم ، وأبي بكر بن مهران ، وأبي العباس ، والمطوعي ، وأبي الفتح بن شيطا ، وأبي بكر بن مجاهد ، فيما حكاه عنه مكي وغيره ، وعليه أكثر العراقيين ، وهو المعروف من مذهبهم ، وبه قرأنا من طريقهم ، وهو مقتضى ما في كفاية أبي العز ، ولم يذكر الحافظ أبو العلاء غيره ، وبه قرأ صاحب " المبهج " على شيخه الشريف ، عن الكارزيني ، عن المطوعي . وقال الأستاذ أبو الفتح بن شيطا : والتي تقع أولا تخفف أيضا ؛ لأنها تصير باتصالها بما قبلها في حكم المتوسطة . وهذا هو القياس الصحيح ، قال : وبه قرأت . قال ابن مهران : وعلى هذا - يعني تسهيل المبتدأة حالة وصلها بالكلمة قبلها - يدل كلام المتقدمين ، وبه كان يأخذ أبو بكر بن مقسم ويقول بتركها كيف ما وجد السبيل إليها إلا إذا ابتدأ بها ، فإنه لا بد له منها ، ولا يجد السبيل إلى تركها . انتهى . وذهب الجمهور من أهل الأداء إلى التحقيق في هذا النوع وفي كل ما وقع الهمز فيه محركا منفصلا ، سواء كان قبله ساكن أو محرك ، وهو الذي لم يذكر أكثر المؤلفين سواه ، وهو الأصح رواية ، وبه قرأ أبو طاهر بن سوار على ابن شيطا ، وكذلك قرأ صاحب " المبهج " على شيخه الشريف العباسي ، عن الكارزيني ، عن أبي بكر الشذائي ، وروى أبو إسحاق الطبري بإسناده ، عن جميع من عده من أصحاب حمزة - الهمز في الوقف إذا كانت الهمزة [ ص: 437 ] في أول الكلمة . وكذا روى الداني ، عن جميع شيوخه من جميع طرقه ، فإذا كان غير ألف فإما أن يكون ياء أو واوا ، فإن من سهل القسم قبلها مع الألف أجرى التسهيل معها بالنقل والإدغام مطلقا ، سواء كانت الياء والواو في ذلك من نفس الكلمة نحو (تزدري أعينكم ، وفي أنفسكم ، و أدعو إلى ) ضميرا ، أو زائدا نحو ( تاركوا آلهتنا ، ظالمي أنفسهم ، قالوا آمنا ، نفسي إن ) وبمقتضى إطلاقهم يجري الوجهان في الزائد للصلة نحو ( به أحدا ، وأمره إلى ، وأهله أجمعين ) والقياس يقتضي فيه الإدغام فقط ، والله أعلم .

                                                          وانفرد الحافظ أبو العلاء بإطلاق تخفيف هذا القسم مع قسم الألف قبله كتخفيفه بعد الحركة ، كأنه يلغي حروف المد ويقدر أن الهمزة وقعت بعد متحرك ، فتخفف بحسب ما قبلها على القياس ، وذلك ليس بمعروف عند القراء ولا عند أهل العربية ، والذي قرأت به في وجه التسهيل هو ما قدمت لك ، ولكني آخذ في الياء والواو بالنقل ، إلا فيما كان زائدا صريحا لمجرد المد والصلة فبالإدغام ، وذلك كان اختيار شيخنا أبي عبد الله الصائغ المصري ، وكان إمام زمانه في العربية والقراءات ، والله تعالى أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية