الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        668 [ ص: 142 ] ( 12 ) باب صيام يوم الفطر والأضحى والدهر

                                                                                                                        628 - ذكر فيه مالك ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام يومين : يوم الفطر ، ويوم الأضحى .

                                                                                                                        629 - وذكر أنه سمع أهل العلم يقولون : لا بأس بصيام الدهر ، إذا أفطر الأيام التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيامها ، وهي أيام منى ، ويوم الأضحى ، ويوم الفطر ، فيما بلغنا . قال : وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        14302 - قال أبو عمر : صيام هذين اليومين لا خلاف بين العلماء في أنه لا يجوز على حال من الأحوال : لا لمتطوع ، ولا لناذر ، ولا لقاض ، فرضا أن يصومهما ، ولا لمتمتع لا يجد هديا ، ولا يأخذ من الناس .

                                                                                                                        [ ص: 143 ] 14303 - وهما يومان حرام صيامهما ، فمن نذر صيام واحد منهما فقد نذر معصية ، وقد قال رسول الله : " من نذر أن يعصي الله فلا يعصه " .

                                                                                                                        14304 - ولو نذر ناذر صيام يوم بعينه ، أو صياما بعينه مثل سنة بعينها ، فوافق هذا اليوم فطرا أو أضحى ، فأجمعوا أنه لا يصومها ، واختلفوا في قضائها .

                                                                                                                        14305 - ففي أحد قولي الشافعي ، وزفر بن الهذيل ، وجماعة : ليس عليه قضاؤها .

                                                                                                                        [ ص: 144 ] 14306 - وهو قول ابن كنانة صاحب مالك .

                                                                                                                        14307 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد يقضيهما .

                                                                                                                        14308 - وهو قول الحسن بن حي ، والأوزاعي ، وآخر قولي الشافعي .

                                                                                                                        14309 - وروي عن الأوزاعي ، أنه يقضيهما ، إلا أن ينوي أن لا يقضيهما ، ولا يصومهما .

                                                                                                                        14310 - واختلف قول مالك في ذلك على ثلاثة أوجه .

                                                                                                                        14311 - ( أحدها ) ، أنه لا يقضيهما .

                                                                                                                        14312 - ( والآخر ) ، أنه يقضيهما إلا أن يكون نوى أن لا يقضيهما .

                                                                                                                        [ ص: 145 ] 14313 - ( والثالث ) ، أنه لا يقضيهما إلا أن يكون نوى أن يصومهما .

                                                                                                                        14314 - وروى الرواية الأولى ابن وهب عنه ، والروايتان الأخريان رواهما : ابن وهب ، وابن القاسم ، عنه .

                                                                                                                        14315 - قال ابن القاسم : قوله : " لا قضاء عليه إلا أن ينوي أن يقضيهما " أحب إلي .

                                                                                                                        14316 - فأما آخر أيام التشريق الذي ليس فيه ذبح عنده فإنه يصومه ولا يدعه .

                                                                                                                        14317 - وقال الليث بن سعد فيمن جعل على نفسه صيام سنة - أنه يجعل على نفسه صيام ثلاثة عشر شهرا لمكان رمضان ، ويومين لمكان الفطر والأضحى ، ويصوم أيام التشريق .

                                                                                                                        14318 - وقال : المرأة في ذلك مثل الرجل ، وتقضي أيام الحيض .

                                                                                                                        14319 - وروي عنه فيمن نذر صيام الاثنين والخميس فوافق ذلك الفطر والأضحى ، أنه يفطر ولا قضاء عليه .

                                                                                                                        14320 - وهذا خلاف الأول ، إلا أني أحسب أنه جعل الاثنين والخميس كمن نذر صوم سنة بعينها ، والجواب الأول في سنة بغير عينها .

                                                                                                                        14321 - قال أبو عمر : القياس أن لا قضاء في ذلك ; لأن من نذر صيام يوم بعينه أبدا لا يخلو أن يدخل يوم الفطر والأضحى في نذره أو لا يدخل ; فإن دخل في نذره فلا يلزمه ؛ لأن من قصد إلى نذر صومه لم يلزمه ، ونذره ذلك باطل . ومن لم يدخل في نذره فهو أبعد من أن يجب عليه قضاؤه .

                                                                                                                        [ ص: 146 ] 14322 - وعلى ما ذكرنا يسقط الاعتكاف عمن نذره يوم الفطر ويوم النحر عند من يقول : لا اعتكاف إلا بصوم .

                                                                                                                        14323 - وأما صيام الدهر لمن أفطر الأيام التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصيامها ، فمباح عند أكثر العلماء ، إلا أن الصيام عمل من أعمال البر ، وفضله معلوم ، وفي نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيام أيام ذكرها على إباحة ما سواها ، والله أعلم .

                                                                                                                        14324 - وقد كره بعض أهل العلم صيام الدهر لحديث أبي قتادة [ ص: 147 ] وغيره ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن صيام الدهر ؟ فقال : " من فعل ذلك فلا صام ولا أفطر "

                                                                                                                        14325 - ويروى : " لا صام ولا أفطر " .

                                                                                                                        14326 - " أحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان يصوم يوما ويفطر يوما .

                                                                                                                        [ ص: 148 ] 14327 - وهذا عندي على الاختيار - والله أعلم - لا على شيء يلزم .




                                                                                                                        الخدمات العلمية