الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                ثم كل عقد إذا عقده الذمي كان فاسدا ، فإذا عقده الحربي ; كان فاسدا أيضا ; لأن المعنى المفسد لا يوجب الفصل بينهما ، وهو ما ذكرنا فيما تقدم .

                                                                                                                                ولو تزوج كافر بخمس نسوة أو بأختين ، ثم أسلم ، فإن كان تزوجهن في عقدة واحدة فرق بينه وبينهن ، وإن كان تزوجهن في عقد متفرقة صح نكاح الأربع ، وبطل نكاح الخامسة ، وكذا في الأختين يصح نكاح الأولى ، وبطل نكاح الثانية ، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف .

                                                                                                                                وقال محمد : يختار من الخمس أربعا ، ومن الأختين واحدة سواء تزوجهن في عقدة واحدة أو في عقد استحسانا ، وبه أخذ الشافعي احتج ، محمد بما روي { أن غيلان أسلم ، وتحته عشر نسوة ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختار أربعا منهن } .

                                                                                                                                وروي { أن قيس بن الحارث أسلم ، وتحته ثمان نسوة ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعا } .

                                                                                                                                وروي { أن ، فيروز الديلمي أسلم ، وتحته أختان ، فخيره رسول الله صلى الله عليه وسلم } ، ولم يستفسر أن نكاحهن كان دفعة واحدة أو على الترتيب .

                                                                                                                                ولو كان الحكم يختلف لاستفسر ، فدل أن حكم الشرع فيه هو التخيير مطلقا ، ولأبي حنيفة ، وأبي يوسف أن الجمع محرم على المسلم والكافر جميعا ; لأن حرمته ثبتت لمعنى معقول ، وهو خوف الجور في إيفاء حقوقهن ، والإفضاء إلى قطع الرحم على ما ذكرنا فيما تقدم ، وهذا المعنى لا يوجب الفصل بين المسلم ، والكافر إلا أنه لا يتعرض لأهل الذمة مع قيام الحرمة ; لأن ذلك ديانتهم ، وهو غير مستثنى من عهودهم ، وقد نهينا عن التعرض لهم عن مثله بعد إعطاء الذمة ، وليس لنا ولاية التعرض لأهل الحرب ، فإذا أسلم ، فقد زال المانع ، فلا يمكن من استيفاء الجمع بعد الإسلام ، فإذا كان تزوج الخمس في عقدة واحدة ، فقد حصل نكاح كل واحدة منهن جميعا إذ ليست إحداهن بأولى من الأخرى ، والجمع محرم ، وقد زال المانع من التعرض ، فلا بد من الاعتراض بالتفريق ، وكذلك إذا تزوج الأختين في عقدة واحدة ; لأن نكاح واحدة منهما جعل جمعا إذ ليست إحداهما بأولى من الأخرى ، والإسلام يمنع من ذلك ، ولا مانع من التفريق فيفرق .

                                                                                                                                فأما إذا كان تزوجهن على الترتيب في عقد متفرقة ، فنكاح الأربع منهن ، وقع صحيحا ; لأن الحر يملك التزوج بأربع نسوة مسلما كان أو كافرا ، ولم يصح نكاح الخامسة لحصوله جمعا ، فيفرق بينهما بعد الإسلام ، وكذلك إذا كان تزوج الأختين في عقدتين ، فنكاح الأولى ، وقع صحيحا إذ لا مانع من الصحة ، وبطل نكاح الثانية لحصوله جمعا ، فلا بد من التفريق بعد الإسلام .

                                                                                                                                وأما الأحاديث ، ففيها إثبات الاختيار للزوج المسلم لكن ليس فيها أن له أن يختار ذلك بالنكاح الأول أو بنكاح جديد ، فاحتمل أنه أثبت له الاختيار لتجدد العقد عليهن ، ويحتمل أنه أثبت له الاختيار ليمسكهن بالعقد الأول ، فلا يكون حجة مع الاحتمال مع ما أنه قد روي أن ذلك قبل تحريم الجمع ، فإنه روي في الخبر أن غيلان أسلم ، وقد كان تزوج في الجاهلية .

                                                                                                                                وروي عن مكحول أنه قال : كان ذلك قبل نزول الفرائض ، وتحريم الجمع ثبت بسورة النساء الكبرى ، وهي [ ص: 315 ] مدنية .

                                                                                                                                وروي { أن ، فيروز لما هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : له إن تحتي أختين ، فقال رسول الله : صلى الله عليه وسلم ارجع ، فطلق إحداهما } ، ومعلوم أن الطلاق إنما يكون في النكاح الصحيح ، فدل أن ذلك العقد وقع صحيحا في الأصل ، فدل أنه كان قبل تحريم الجمع ، ولا كلام فيه ، وعلى هذا الخلاف إذا تزوج الحربي بأربع نسوة ، ثم سبي هو ، وسبين معه أن عند أبي حنيفة ، وأبي يوسف يفرق بينه ، وبين الكل سواء تزوجهن في عقدة واحدة أو في عقد متفرقة ; لأن نكاح الأربع ، وقع صحيحا ; لأنه كان حرا وقت النكاح ، والحر يملك التزوج بأربع نسوة مسلما كان أو كافرا إلا أنه تعذر الاستيفاء بعد الاسترقاق لحصول الجمع من العبد في حال البقاء بين أكثر من اثنتين ، والعبد لا يملك الاستيفاء ، فيقع جمعا بين الكل ، ففرق بينه ، وبين الكل ، ولا يخير فيه كما إذا تزوج رضيعتين ، فأرضعتهما امرأة بطل نكاحهما ، ولا يخير كذا هذا .

                                                                                                                                وعند محمد يخير فيه ، فيختار اثنتين منهن كما يخير الحر في أربع نسوة من نسائه .

                                                                                                                                ولو كان الحربي تزوج أما وبنتا ، ثم أسلم ، فإن كان تزوجهما في عقدة واحدة ، فنكاحهما باطل ، وإن كان تزوجهما متفرقا ، فنكاح الأولى جائز ، ونكاح الأخرى باطل في قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف كما قالا في الجمع بين الخمس ، والجمع بين الأختين .

                                                                                                                                وقال محمد : نكاح البنت هو الجائز سواء تزوجهما في عقدة واحدة أو في عقدتين ، ونكاح الأم باطل ; لأن مجرد عقد الأم لا يحرم البنت ، وهذا إذا لم يكن دخل بواحدة منهما .

                                                                                                                                ولو أنه كان دخل بهما جميعا ، فنكاحهما جميعا باطل بالإجماع ; لأن مجرد الدخول يوجب التحريم سواء دخل بالأم أو بالبنت ، ولو لم يدخل بالأولى ، ولكن دخل بالثانية ، فإن كانت الأولى بنتا ، والثانية أما ; فنكاحهما جميعا باطل بالإجماع ; لأن نكاح البنت يحرم الأم ، والدخول بالأم يحرم البنت .

                                                                                                                                ولو كان دخل بإحداهما ، فإن كان دخل بالأولى ، ثم تزوج الثانية ، فنكاح الأولى جائز ، ونكاح الثانية باطل بالإجماع .

                                                                                                                                ولو تزوج الأم أولا ، ولم يدخل بها ، ثم تزوج البنت ، ودخل بها ، فنكاحهما جميعا باطل في قول أبي حنيفة وأبي يوسف إلا أنه يحل له أن يتزوج بالبنت ، ولا يحل له أن يتزوج بالأم ، وعند محمد نكاح البنت هو الجائز ، وقد دخل بها ، وهي امرأته ، ونكاح الأم باطل .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية