الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      كذلك حقت كلمت ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " كذلك حقت كلمت ربك " قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : " كلمة ربك " ، وفي آخر السورة كذلك . وقرأ نافع ، وابن عامر الحرفين " كلمات " على الجمع .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج : الكاف في موضع نصب ، أي : مثل أفعالهم جازاهم ربك والمعنى : حق عليهم أنهم لا يؤمنون . وقوله : " أنهم لا يؤمنون " بدل من " كلمة ربك " . وجائز أن تكون الكلمة حقت عليهم لأنهم لا يؤمنون ، وتكون الكلمة ما وعدوا به من العقاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر ابن الأنباري في " كذلك " قولين :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 30 ] أحدهما : أنها إشارة إلى مصدر " تصرفون " ، والمعنى : مثل ذلك الصرف حقت كلمة ربك .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنه بمعنى هكذا .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي معنى " حقت " قولان : أحدهما : وجبت . والثاني : سبقت .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي كلمته قولان : أحدهما : أنها بمعنى وعده . والثاني : بمعنى قضائه . ومن قرأ " كلمات " جعل كل واحدة من الكلم التي توعدوا بها كلمة . وقد شرحنا معنى الكلمة في (الأعراف :137 و158)

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " قل الله يهدي للحق " أي : إلى الحق .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " أمن لا يهدي " قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وورش عن نافع : " يهدي " بفتح الياء والهاء وتشديد الدال . قال الزجاج : الأصل يهتدي ، فأدغمت التاء في الدال ، فطرحت فتحتها على الهاء . وقرأ نافع إلا ورشا ، وأبو عمرو : " يهدي " بفتح الياء وإسكان الهاء وتشديد الدال ، غير أن أبا عمرو كان يشم الهاء شيئا من الفتح . وقرأ حمزة ، والكسائي : " يهدي " بفتح الياء وسكون الهاء وتخفيف الدال . قال أبو علي : والمعنى : لا يهدي غيره إلا أن يهدى هو ، ولو هدي الصم لم يهتد ، ولكن لما جعلوها كمن يعقل ، أجريت مجراه . وروى يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم : " يهدي " بكسر الياء والهاء وتشديد الدال ، وكذلك روى أبان وجبلة عن المفضل وعبد الوارث ، قال الزجاج : أتبعوا الكسرة الكسرة ، وهي رديئة لثقل الكسرة في الياء . وروى حفص عن عاصم ، والكسائي عن أبي بكر عنه : " يهدي " بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال ، قال الزجاج : وهذه في الجودة كالمفتوحة الهاء ، إلا أن الهاء كسرت لالتقاء الساكنين . وقرأ ابن السميفع : " يهتدي " بزيادة تاء . والمراد بقوله : " أم من لا يهدي " الصم [ ص: 31 ] " إلا أن يهدى " . وظاهر الكلام يدل على أن الأصنام إن هديت اهتدت وليست كذلك ، لأنها حجارة لا تهتدي ، إلا أنهم لما اتخذوها آلهة ، عبر عنها كما يعبر عمن يعقل ، ووصفت صفة من يعقل وإن لم تكن في الحقيقة كذلك ; ولهذا المعنى قال في صفتها : " أمن " لأنهم جعلوها كمن يعقل . ولما أعطاها حقها في أصل وضعها ، قال : " يا أبت لم تعبد ما لا يسمع " [مريم :42] . وقال الفراء : " أمن لا يهدي " أي : أتعبدون ما لا يقدر أن ينتقل من مكانه إلا أن يحول ؟ وقد صرف بعضهم الكلام إلى الرؤساء والمضلين ، والأول أصح .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " فما لكم " قال الزجاج : هو كلام تام ، كأنه قيل لهم : أي شيء لكم في عبادة الأوثان ؟ ثم قيل لهم : " كيف تحكمون " أي : على أي حال تحكمون ؟ وقال ابن عباس : كيف تقضون لأنفسكم ؟ وقال مقاتل : كيف تقضون بالجور ؟

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية