الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أبطل دعوى اختصاصهم بالرحمة قدحا منهم في غيرهم وأثبتها للمحسنين أتبع ذلك قدح كل فريق منهم في الآخر وبيان انتفائها عنهم بإساءتهم بإبطال كل فرقة منهم دعوى الأخرى مع ما يشهد به [ ص: 115 ] كتاب كل من بطلان قوله فقال : وقالت اليهود ليست أنث فعلهم لضعف قولهم وجمع أمرهم ، النصارى على شيء أي : يعتد به لكونه صحيحا ، وليس مخففة من وزن فرح ، ومعناها مطلق النفي لمتقدم إثبات أو مقدره ، قاله الحرالي . وقالت النصارى كذلك [ ص: 116 ] ليست اليهود على شيء فعجب منهم في هذه الدعوى العامة لما قبل التبديل والنسخ وما بعده بقوله : وهم أي : والحال أنهم يتلون الكتاب أي : مع أن في كتاب كل منهم حقية أصل دين الآخر .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم شبه بهم في نحو هذا القول الجهلة الذين ليس لهم كتاب الذين هم عندهم ضلال ، وفي ذلك غاية العيب لهم لتسوية حالهم مع علمهم بحال الجهلة في القطع في الدين بالباطل كما سوى حالهم بهم في الحرص على الحياة في الدنيا ، ومنهم عبدة الأصنام الذين منهم العرب الذين أخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم من بلده ومنعوه من مسجد أبيه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام الذي هو الحقيق به دونهم ، وساق ذلك جواب سائل كأنه قال : هذا قول العلماء بالكتاب فما حال من لا علم له ؟ فقال : كذلك أي : مثل هذا القول البعيد عن القصد ، قال الذين لا يعلمون ولما كان صدور هذا من أهل العلم في غاية الغرابة وصدوره من الجهلة [ ص: 117 ] أغرب نبه تعالى على أن سامعه جدير بأن يقول لعده له عداد ما لا يصدق : كيف قال الجهلة ؟ فقال أو يقال : ولما كان قولهم هذا لا يكاد يصدق من شدة غرابته كان كأنه قيل : أحق كان هذا منهم حقيقة أم كنى به عن شيء آخر ؟ فأجيب بقوله : كذلك أي : الأمر كما ذكرنا عنهم حقيقة لا كناية عن شيء غيره ، فلما استقر في النفس كان كأنه قيل : هل وقع هذا لأحد غيرهم ؟ فقيل : نعم ، وقع أعجب منه وهو أنه قال الجهلة : "كعبدة الأصنام والمعطلة" ، مثل قولهم فعاندوا وضللوا المؤمنين أهل العلم بالكتاب الخاتم الذي لا كتاب مثله ، وضللوا أهل كل دين .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما وقع الخلاف بين هذه الفرق تسبب عنه حكم الملك الذي لم يخلقهم سدى بينهم فقال : فالله الملك الأعظم ، يحكم بينهم والحكم قصر المصرف على بعض ما يتصرف فيه ، وعن بعض ما تشوف إليه ، قاله الحرالي . وحقق أمر البعث بقوله : يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون والاختلاف افتعال من الخلاف وهو تقابل بين رأيين [ ص: 118 ] فيما ينبغي انفراد الرأي : فيه ، قاله الحرالي .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية