الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              109 (24) باب

                                                                                              حب علي والأنصار آية الإيمان ، وبغضهم آية النفاق

                                                                                              [ 59 ] عن أنس ; عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : حب الأنصار آية الإيمان ، وبغضهم آية النفاق .

                                                                                              رواه البخاري ( 17 ) ، ومسلم ( 74 ) ، والنسائي ( 8 \ 116 ) .

                                                                                              [ ص: 264 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 264 ] (24) ومن باب حب علي والأنصار من الإيمان

                                                                                              (قوله : " آية الإيمان حب الأنصار ") الحديث ، الآية : العلامة والدلالة ، وقد تكون ظنية ، وقد تكون قطعية . وحب الأنصار من حيث كانوا أنصار الدين ومظهريه ، وباذلين أموالهم وأنفسهم في إعزازه وإعزاز نبيه وإعلاء كلمته دلالة قاطعة على صحة إيمان من كان كذلك ، وصحة محبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبغضهم كذلك دلالة قاطعة على النفاق .

                                                                                              وكذلك القول في حب علي وبغضه ; فمن أحبه لسابقته في الإسلام ، وقدمه في الإيمان ، وغنائه فيه ، وذوده عنه وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولمكانته من النبي - صلى الله عليه وسلم - وقرابته ومصاهرته ، وعلمه وفضائله ، كان ذلك منه دليلا قاطعا على صحة إيمانه ويقينه ومحبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومن أبغضه لشيء من ذلك ، كان على العكس .

                                                                                              قال المؤلف - رحمه الله - : وهذا المعنى جار في أعيان الصحابة كالخلفاء ، والعشرة ، والمهاجرين ، بل وفي كل الصحابة ; إذ كل واحد منهم له شاهد وغناء في الدين ، وأثر حسن فيه ; فحبهم لذلك المعنى محض الإيمان ، وبغضهم له محض النفاق ، وقد دل على صحة ما ذكرناه : قوله - عليه الصلاة والسلام - فيما أخرجه [ ص: 265 ] البزار في أصحابه كلهم : فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم . لكنهم لما كانوا في سوابقهم ومراتبهم متفاوتين ، فمنهم المتمكن الأمكن ، والتالي والمقدم ، خص الأمكن منهم بالذكر في هذا الحديث ، وإن كان كل منهم له في السوابق أشرف حديث ، وهذا كما قال العلي الأعلى : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ، إلى قوله : وكلا وعد الله الحسنى [ الحديد : 10 ] .

                                                                                              تنبيه : من أبغض بعض من ذكرنا من الصحابة من غير تلك الجهات التي ذكرناها ، بل لأمر طارئ ، وحدث واقع ; من مخالفة غرض ، أو ضرر حصل ، أو نحو ذلك : لم يكن كافرا ، ولا منافقا بسبب ذلك ; لأنهم - رضي الله عن جميعهم - قد وقعت بينهم مخالفات عظيمة ، وحروب هائلة ، ومع ذلك فلم يكفر بعضهم بعضا ، ولا حكم عليه بالنفاق لما جرى بينهم من ذلك ، وإنما كان حالهم في ذلك حال المجتهدين في الأحكام ; فإما أن يكون كلهم مصيبا فيما ظهر له . أو المصيب واحد ، والمخطئ معذور ، بل مخاطب بالعمل على ما يراه ويظنه مأجورا .

                                                                                              فمن وقع له بغض في واحد منهم لشيء من ذلك ، فهو عاص يجب عليه التوبة من ذلك ، ومجاهدة نفسه في زوال ما وقع له من ذلك ، بأن يذكر فضائلهم وسوابقهم ، وما لهم على كل من بعدهم من الحقوق الدينية والدنيوية ; إذ لم يصل أحد ممن بعدهم بشيء من الدنيا ولا الدين إلا بهم ، وبسببهم وأدبهم وصلت [ ص: 266 ] لنا كل النعم ، واندفعت عنا الجهالات والنقم ، ومن حصلت به مصالح الدنيا والآخرة ، فبغضه كفران للنعم ، وصفقته خاسرة .




                                                                                              الخدمات العلمية