الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ولهذا الفجور الذي يبدر من ألسنتهم ويدل على قلوبهم قال الله تعالى: لا تعتذروا لأن كل اعتذار يلقون فيه أنفسهم بهاوية من الكفر أشد مما هم فيه، فقال [ ص: 3361 ] لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة

                                                          والنهي هنا على حقيقته، فالله تعالى ينهاهم عن الاعتذار; لأن الاعتذار يؤدي إلى أن يقعوا في ذنب أشد مما يعتذرون عنه لحميتهم وجهالتهم بسبب النفاق الذي أركس نفوسهم في الشر، أو نقول: النهي للتهكم باعتذارهم الذي يجعلهم يعترفون بأفحش ذنوبهم.

                                                          والاعتذار محو أثر الذنب، وأصله القطع، واعتذرت إليه قطعت ما في قلبه من الموجدة، فهم يحاولون إزالة ما أوجده كلامهم من كفر، فيزيدون الذنوب.

                                                          والاستهزاء استخفاف، فإذا كان بالله وآياته ورسوله فهو كفر، ولذا قال تعالى في اعتذارهم وإقرارهم بالاستهزاء قد كفرتم بعد إيمانكم وقد أكد الله تعالى كفرهم بـ (قد) الدالة على التحقيق، فأكد الله تعالى كفرهم، وقوله تعالى:

                                                          بعد إيمانكم والنفاق ليس فيه إيمان، والمنافق ليس بمؤمن، ولكنه يظهر الإيمان، ويكون بعد إيمانكم ، أي: بعد إظهار إيمانكم، فكشفتم كفركم بعد ستره، فافتضح أمركم بعد أن سترتموه، أو نقول: إنه كان فيهم ضعفاء الإيمان، فكان اشتراكهم معهم في الاستهزاء والسخرية بالله تعالى وآياته ورسوله كفرا لهم بعد إيمان كان فيهم، وإن كان ناقصا، وإني أختار هذا، والله تعالى أعلم.

                                                          ثم يقول سبحانه: إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة إن عفو الله منوط بالتوبة، الطائفة التي يعفو الله عنها هي التائبة، فالتوبة تجب ما قبلها، وقد كان في هؤلاء الذين خاضوا ولعبوا وتعابثوا، من تاب وأناب.

                                                          وقد قال الحافظ ابن كثير في تفسيره نقلا عن عكرمة مولى عبد الله بن عباس: وكان رجل ممن إن شاء الله عفا عنه يقول: اللهم إني أسمع آية أن أعنى بها ( أي: لأنه كان ممن خاضوا بها) تقشعر منها الجلود، وتوجل منها القلوب، اللهم فاجعل وفاتي قتلا في سبيلك، لا يقول أحد أنا غسلت، أنا كفنت، أنا دفنت.

                                                          فأصيب يوم اليمامة، فما من أحد من المسلمين إلا وقد وجد غيره. [ ص: 3362 ]

                                                          هؤلاء هم الذين عفا الله عنهم، وهذا أحدهم لقد تاب فعفا الله عنه وصار من الشهداء الصديقين، وأسند سبحانه العفو والعذاب إليه سبحانه تعظيما لمقام العفو، وتهديدا بأهل العذاب، ولقد بين سبحانه العذاب، بقوله تعالى: بأنهم كانوا مجرمين الإجرام الذنب الكبير الذي يكون له جرم، وتفعله الجوارح، وتكتسبه النفس، وقد أشار سبحانه إلى أنهم مستمرون على إجرامهم ولم يتوبوا، ولذلك يتأكد إجرامهم واستمرارهم عليه، وعدم انخلاعهم منه، فقد أكد الإجرام بالجملة الاسمية و (أن) الدالة على تأكيد ما بعدها و (كان) التي تؤكد القول وتدل على استمراره.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية