الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما ( 16 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في " الأذى " الذي كان الله تعالى ذكره جعله عقوبة للذين يأتيان الفاحشة ، من قبل أن يجعل لهما سبيلا منه .

فقال بعضهم : ذلك الأذى ، أذى بالقول واللسان ، كالتعيير والتوبيخ على ما أتيا من الفاحشة .

ذكر من قال ذلك :

8819 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فآذوهما " قال : كانا يؤذيان بالقول جميعا .

8820 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما ، فكانت الجارية والفتى إذا زنيا يعنفان ويعيران حتى يتركا ذلك .

وقال آخرون : كان ذلك الأذى ، أذى اللسان ، غير أنه كان سبا .

[ ص: 85 ] ذكر من قال ذلك :

8821 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فآذوهما " يعني : سبا .

وقال آخرون : بل كان ذلك الأذى باللسان واليد .

ذكر من قال ذلك :

8822 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، فكان الرجل إذا زنى أوذي بالتعيير وضرب بالنعال .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره كان أمر المؤمنين بأذى الزانيين المذكورين ، إذا أتيا ذلك وهما من أهل الإسلام . و " الأذى " قد يقع لكل مكروه نال الإنسان ، من قول سيئ باللسان أو فعل . وليس في الآية بيان أي ذلك كان أمر به المؤمنون يومئذ ، ولا خبر به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نقل الواحد ولا نقل الجماعة الموجب مجيئهما قطع العذر .

وأهل التأويل في ذلك مختلفون ، وجائز أن يكون ذلك أذى باللسان أو اليد ، وجائز أن يكون كان أذى بهما . وليس في العلم بأي ذلك كان من أي - نفع [ ص: 86 ] في دين ولا دنيا ، ولا في الجهل به مضرة ، إذ كان الله - جل ثناؤه - قد نسخ ذلك من محكمه بما أوجب من الحكم على عباده فيهما وفي اللاتي قبلهما . فأما الذي أوجب من الحكم عليهم فيهما ، فما أوجب في " سورة النور : 2 " بقوله : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) . وأما الذي أوجب في اللاتي قبلهما ، فالرجم الذي قضى به رسول الله فيهما . وأجمع أهل التأويل جميعا على أن الله تعالى ذكره قد جعل لأهل الفاحشة من الزناة والزواني سبيلا بالحدود التي حكم بها فيهم .

وقال جماعة من أهل التأويل : إن الله سبحانه نسخ بقوله : " ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) [ سورة النور : 2 ] ، قوله : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما .

ذكر من قال ذلك :

8823 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، قال : كل ذلك نسخته الآية التي في " النور " بالحد المفروض .

8824 - حدثنا أبو هشام قال : حدثنا يحيى ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما الآية ، قال : هذا نسخته الآية في " سورة النور " بالحد المفروض .

8825 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا أبو تميلة قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي . عن عكرمة والحسن البصري قالا : في قوله : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما الآية ، نسخ ذلك بآية الجلد فقال : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة [ ص: 87 ] ) .

8826 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، فأنزل الله بعد هذا : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) ، فإن كانا محصنين رجما في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

8827 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم الآية ، جاءت الحدود فنسختها .

8828 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول : نسخ الحد هذه الآية .

8829 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : فأمسكوهن في البيوت الآية ، قال : نسختها الحدود ، وقوله : واللذان يأتيانها منكم ، نسختها الحدود .

8830 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، الآية ، ثم نسخ هذا ، وجعل السبيل لها إذا زنت وهي محصنة ، رجمت وأخرجت ، وجعل السبيل للذكر جلد مائة .

8831 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت ، قال : نسختها الحدود .

[ ص: 88 ] وأما قوله : فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما فإنه يعني به - جل ثناؤه - : فإن تابا من الفاحشة التي أتيا فراجعا طاعة الله بينهما " وأصلحا " يقول : وأصلحا دينهما بمراجعة التوبة من فاحشتهما ، والعمل بما يرضي الله فأعرضوا عنهما ، يقول : فاصفحوا عنهما ، وكفوا عنهما الأذى الذي كنت أمرتكم أن تؤذوهما به عقوبة لهما على ما أتيا من الفاحشة ، ولا تؤذوهما بعد توبتهما .

وأما قوله : إن الله كان توابا رحيما ، فإنه يعني : إن الله لم يزل راجعا لعبيده إلى ما يحبون إذا هم راجعوا ما يحب منهم من طاعته " رحيما " بهم ، يعني : ذا رحمة ورأفة .

التالي السابق


الخدمات العلمية