الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون قيل: بيان إجمالي لحال من عدا المذكورين من الثقلين الموصوفين بما ذكر من الضلال على أتم وجه، وهو عند جمع من المحققين على ما ظهر للعلامة الطيبي عطف على جملة ولقد ذرأنا وقوله سبحانه وتعالى: يهدون إلخ. إذا أخذ بجملته وزبدته كان كالمقابل لقوله تعالى: لهم قلوب إلى هم الغافلون وكلتا الآيتين كالنشر لقوله عز شأنه: من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون وهو كالتذييل لحديث الذي أوتي آيات الله تعالى والأسماء العظام فانسلخ منها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ولله الأسماء الحسنى اعتراض لمناسبة حديث الأسماء حديث أسماء الله تعالى العظام التي أوتيها ذلك المنسلخ كما في بعض الروايات، وقد تعلق بقوله عز شأنه: أولئك هم الغافلون باعتبار أنه كالتنبيه على أن الموجب لدخول جهنم هو الغفلة عن ذكر الله تعالى وعن أسمائه الحسنى، وأرباب الذوق والمشاهدة يجدون ذلك من أرواحهم؛ لأن القلب إذا غفل عن ذكر الله تبارك وتعالى وأقبل على الدنيا وشهواتها وقع في نار الحرص ولا يزال يهوي من ظلمة إلى ظلمة حتى ينتهي إلى دركات الحرمان، وبخلاف ذلك إذا انفتح على [ ص: 126 ] القلب باب الذكر فإنه يقع في جنة القناعة ولا يزال يترقى من نور إلى نور حتى ينتهي إلى أعلى درجات الإحسان، و (من) إما نكرة موصوفة أو بمعنى الذي، والمراد بعض من خلقنا أو بعض ممن خلقنا طائفة جليلة كثيرة يهدون الناس ملتبسين بالحق أو يهدونهم بكلمة الحق ويدلونهم على الاستقامة وبالحق يحكمون في الحكومات الجارية فيما بينهم ولا يجورون فيها.

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن جرير وغيره عن ابن جريج: أنه قال: ذكر لنا «أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: هذه أمتي».

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عن قتادة أنه قال: بلغنا أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقول إذا قرأ هذه الآية: «هذه لكم وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم، عن الربيع، قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «إن من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام».

                                                                                                                                                                                                                                      وروى الشيخان عن معاوية والمغيرة بن شعبة قالا: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله تعالى لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تعالى وهم على ذلك».

                                                                                                                                                                                                                                      واستدل الجبائي بالآية على صحة الإجماع في كل عصر سواء في ذلك عصر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والصحابة رضي الله تعالى عنهم وغيره؛ إذ لو اختص لم يكن لذكره فائدة؛ لأنه معلوم، وعلى أنه لا يخلو عصر عن مجتهد إلى قيام الساعة؛ لأن المجتهدين هم أرباب الإجماع، قيل: وهو مخالف لما روي من أنه لا تقوم الساعة إلا على أشرار الخلق، ولا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله، وأجيب بأن ذلك الزمان ملحق بيوم القيامة لمعانقته له، والمراد عدم خلو العصر عن مجتهد فيما عداه، وقيل: المراد من الخبرين الإشارة إلى غلبة الشر فلا ينافي وجود النزر من أهل ذلك العنوان، والواحد منهم كاف وهو حينئذ الأمة، والاقتصار على نعتهم بهداية الناس للإيذان بأن اهتداءهم في أنفسهم أمر محقق غني عن التصريح.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية