الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم

                                                                                                                                                                                                                                        قال بل سولت أي فلما رجعوا إلى أبيهم وقالوا له ما قال لهم أخوهم قال : بل سولت أي سولت وسهلت . لكم أنفسكم أمرا أردتموه فقدرتموه ، وإلا فما أدرى الملك أن السارق يؤخذ بسرقته . فصبر جميل أي فأمري صبر جميل ، أو فصبر جميل أجمل . عسى الله أن يأتيني بهم جميعا بيوسف وبنيامين وأخيهما الذي توقف بمصر . إنه هو العليم بحالي وحالهم . الحكيم في تدبيرهما .

                                                                                                                                                                                                                                        وتولى عنهم وأعرض عنهم كراهة لما صادف منهم . وقال يا أسفى على يوسف أي يا أسفا تعال فهذا أوانك ، والأسف أشد الحزن والحسرة ، والألف بدل من ياء المتكلم ، وإنما تأسف على يوسف دون [ ص: 174 ] أخويه والحادث رزؤهما لأن رزأه كان قاعدة المصيبات وكان غضا آخذا بمجامع قلبه ، ولأنه كان واثقا بحياتهما دون حياته ، وفي الحديث : « لم تعط أمة من الأمم إنا لله وإنا إليه راجعون عند المصيبة إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم » .

                                                                                                                                                                                                                                        ألا ترى إلى يعقوب عليه الصلاة والسلام حين أصابه ما أصابه لم يسترجع وقال يا أسفى .

                                                                                                                                                                                                                                        وابيضت عيناه من الحزن لكثرة بكائه من الحزن كأن العبرة محقت سوادهما . وقيل ضعف بصره . وقيل عمي ، وقرئ « من الحزن » وفيه دليل على جواز التأسف والبكاء عند التفجع ، ولعل أمثال ذلك لا تدخل تحت التكليف فإنه قل من يملك نفسه عند الشدائد ، ولقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم وقال : « القلب يجزع والعين تدمع ، ولا نقول ما يسخط الرب ، وإنما عليك يا إبراهيم لمحزونون » .

                                                                                                                                                                                                                                        فهو كظيم مملوء من الغيظ على أولاده ممسك له في قلبه لا يظهره ، فعيل بمعنى مفعول كقوله تعالى : وهو مكظوم من كظم السقاء إذا شده على ملئه ، أو بمعنى فاعل كقوله : والكاظمين الغيظ من كظم الغيظ إذا اجترعه ، وأصله كظم البعير جرته إذا ردها في جوفه .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية