الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 362 ] فصل في الكفاءة ( الكفاءة في النكاح معتبرة ) قال عليه الصلاة والسلام " { ألا لا يزوج النساء إلا الأولياء ولا يزوجن إلا من الأكفاء }" ولأن انتظام المصالح بين المتكافئين عادة ; لأن الشريفة تأبى أن تكون مستفرشة للخسيس فلا بد من اعتبارها ، بخلاف جانبها ; لأن الزوج مستفرش ، فلا تغيظه دناءة الفراش

                                                                                                        [ ص: 362 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 362 ] فصل في الكفاءة

                                                                                                        الحديث الخامس : قال عليه السلام : " { ألا لا تزوج النساء إلا الأولياء ، ولا يزوجن إلا من الأكفاء }" ; قلت : أخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننيهما " عن مبشر بن عبيد حدثني الحجاج بن أرطاة عن عطاء ، وعمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { لا تنكحوا النساء إلا الأكفاء ، ولا يزوجهن إلا الأولياء ، ولا مهر دون عشرة دراهم }انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : مبشر بن عبيد متروك الحديث ، أحاديثه لا يتابع عليها ، انتهى .

                                                                                                        وأسند البيهقي في " المعرفة " عن أحمد بن حنبل أنه قال : أحاديث مبشر بن عبيد موضوعة كذب انتهى . قال ابن القطان في " كتابه " : وهو كما قال ، لكن بقي عليه الحجاج بن أرطاة ، وهو ضعيف ، ويدلس ، على الضعفاء انتهى .

                                                                                                        قلت : رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " عن مبشر بن عبيد عن أبي الزبير عن جابر ، فذكره ; وعن أبي يعلى رواه ابن حبان في " كتاب الضعفاء " ، وقال : مبشر بن عبيد يروي عن الثقات الموضوعات ، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب ، انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن عدي ، والعقيلي في " كتابيهما " وأعلاه بمبشر بن عبيد ، وأسند العقيلي عن الإمام أحمد أنه وصفه بالوضع والكذب ، انتهى .

                                                                                                        وقال البيهقي : هذا حديث ضعيف بمرة ، وفي اعتبار الأكفاء أحاديث لا تقوم بأكثرها الحجة ، وأمثلها حديث علي : { ثلاثة لا تؤخرها ، وفيه والأيم إذا وجدت كفؤا }انتهى .

                                                                                                        قلت : هذا الحديث رواه الترمذي في " الصلاة في الجنائز " حدثنا قتيبة ثنا عبد الله بن وهب عن سعيد بن عبد الله الجهني عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه [ ص: 363 ] عن علي بن أبي طالب { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : يا علي ، ثلاث لا تؤخرها : الصلاة إذا آنت ، والجنازة إذا حضرت ، والأيم إذا وجدت لها كفئا }انتهى . قال الترمذي في " الجنائز " : حديث غريب ، وما أرى إسناده متصلا انتهى .

                                                                                                        قلت : أخرجه الحاكم في " المستدرك في النكاح " كذلك ، وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه انتهى . إلا أني وجدته ، قال : عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، عوض : سعيد بن عبد الله الجهني ، فلينظر ; والمصنف استدل بهذا الحديث على اعتبار الكفاءة ، ولم يتعرض لاشتراطها ، ولا ذكر الخلاف فيه ، والحديث ظاهر في اشتراطها ، قال البيهقي في " المعرفة " : قال الشافعي : وأصل الكفاءة مستنبط من حديث بريرة ; لأنه عليه السلام إنما خيرها ; لأن زوجها لم يكن كفئا انتهى . واستدل ابن الجوزي في " التحقيق " على اشتراطها بحديث عائشة أنه عليه السلام ، قال : " { تخيروا لنطفكم ، وأنكحوا الأكفاء }" ، وهذا روي من حديث عائشة ; ومن حديث أنس ; ومن حديث عمر بن الخطاب ، من طرق عديدة كلها ضعيفة ، استوفيناها ، والكلام عليها في " كتاب الإسعاف بأحاديث الكشاف في أول سورة النساء " ، والله أعلم .

                                                                                                        واستدل ابن الجوزي لأصحابنا في عدم اشتراط الكفاءة بما أخرجه النسائي ، وأحمد عن عبد الله بن بريدة عن عائشة ، قالت : { جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي من خسيسته ، قال : فجعل الأمر إليها ، فقالت : إني قد أجزت ما صنع أبي ، لكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء }انتهى . قال البيهقي : هذا مرسل ، ابن بريدة لم يسمع من عائشة ، انتهى .

                                                                                                        قلت : هكذا رواه النسائي حدثنا زياد بن أيوب عن علي بن غراب عن كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة ، فذكره ، ورواه ابن ماجه حدثنا هناد بن السري ثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن ابن بريدة عن أبيه ، فذكره سواء ; وينظر مسند أحمد .




                                                                                                        الخدمات العلمية