الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [195] ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون

                                                                                                                                                                                                                                      " ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها [ ص: 2926 ] أم لهم آذان يسمعون بها تبكيت إثر تبكيت، مؤكد لما يفيده الأمر التعجيزي، من عدم الاستجابة، ببيان فقدان آلتها بالكلية، فإن الاستجابة من الهياكل الجسمانية، إنما تتصور إذا كان لها حياة وقوى محركة، ومدركة، وما ليس له شيء من ذلك، فهو بمعزل من الأفاعيل بالمرة، كأنه قيل: ألهم هذه الآلات التي بها تتحقق الاستجابة، حتى يمكن استجابتهم لكم؟ وقد وجه الإنكار إلى كل واحدة من هذه الآلات الأربع على حدة، تكريرا للتبكيت، وتثنية للتقريع، وإشعارا بأن انتفاء كل واحدة منها بحيالها، كاف في الدلالة على استحالة الاستجابة. أفاده أبو السعود .

                                                                                                                                                                                                                                      ويقال: إنه لما جعلهم مثلهم، كر على المثلية بالنقض بما ذكر، لأنهم أدون منهم، وعبادة الشخص من هو مثله لا تليق، فكيف من هو دونه.

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه:

                                                                                                                                                                                                                                      قال الرازي : تعلق بعض أغمار المشبهة وجهالهم بهذه الآية، في إثبات هذه الأعضاء لله تعالى، فقالوا: إنه تعالى جعل عدم هذه الأعضاء، لهذه الأصنام، دليلا على عدم إلهيتها، فلو لم تكن هذه الأعضاء موجودة لله تعالى، لكان عدمها دليلا على عدم الإلهية، وذلك باطل، فوجب القول بإثبات هذه الأعضاء لله تعالى... إلخ.

                                                                                                                                                                                                                                      وأقول: الظاهر أن ملحظ مثبتيها هو أن عدمها يدل على النقص، وهو محال على المولى تعالى، إذ له كل صفة كمال، ومعلوم أن في إثباتها له تعالى من آيات أخر، وأحاديث مشهورة، ما يغني عن تكلف استثباتها له تعالى من مثل هذه الآية، ولكن على المنهاج السلفي، وهو إثبات بلا تكييف، إذ من كيف فقد مثل، ومن نفى فقد عطل. فالمشبهة كالمعطلة، والحق وراءهم، والمسألة شهيرة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما بين تعالى أن شركاءهم عاجزون، أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يناصبهم للمحاجة، ويكرر عليهم التبكيت، فقال سبحانه: " قل ادعوا شركاءكم أي استنصروا بها علي " ثم كيدون أي اعملوا أنتم وهم في هلاكي من حيث لا أشعر به، حتى يمكنني دفعه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 2927 ] " فلا تنظرون أي عجلوا في كيدي، فلا تمهلوني مدة أطلع فيها على كيدكم، فإني لا أبالي بكم. وقد أثبت نافع وأبو عمرو الياء في ((كيدوني))، والباقون حذفوها. ومثله في قوله: ولا تنظرون ثم لا تنظرون قال الواحدي : والقول فيه أن الفواصل تشبه القوافي، وقد حذفوا هذه الياءات إذا كانت في القوافي، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      يلمس الأحلاس في منزله بيديه كاليهودي المصل



                                                                                                                                                                                                                                      (وأصلها المصلي).

                                                                                                                                                                                                                                      والذين أثبتوها، فلأن الأصل هو الإثبات.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية