الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 401 ] النوع التاسع عشر

معرفة التصريف

وهو ما يلحق الكلمة ببنيتها ، وينقسم قسمين :

أحدهما : جعل الكلمة على صيغ مختلفة بضروب من المعاني ، وينحصر في التصغير والتكبير ، والمصدر ، واسمي الزمان والمكان ، واسم الفاعل ، واسم المفعول ، والمقصور والممدود .

والثاني : تغيير الكلمة لمعنى طارئ عليها ، وينحصر في الزيادة والحذف ، والإبدال والقلب والنقل ، والإدغام .

وفائدة التصريف : حصول المعاني المختلفة المتسعة المتشبعة عن معنى واحد ; فالعلم به أهم من معرفة النحو في تعرف اللغة ; لأن التصريف نظر في ذات الكلمة ، والنحو نظر في عوارضها ، وهو من العلوم التي يحتاج إليها المفسر .

قال ابن فارس : " من فاته علمه فاته المعظم ; لأنا نقول " وجد " كلمة مبهمة ، فإذا صرفناها اتضحت ، فقلنا في المال : " وجدا " ، وفي الضالة : " وجدانا " ، وفي الغضب : " موجدة " [ ص: 402 ] ، وفي الحزن : " وجدا " ، وقال تعالى : وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ( الجن : 15 ) ، وقال تعالى : وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ( الحجرات : 9 ) ; فانظر كيف تحول المعنى بالتصريف من الجور إلى العدل .

ويكون ذلك في الأسماء والأفعال ; فيقولون للطريق في الرمل : " خبة " ، وللأرض المخصبة والمجدبة : " خبة " ، وغير ذلك .

وقد ذكر الأزهري أن مادة " دكر " بالدال المهملة مهملة غير مستعملة ، فكتب التاج الكندي على الطرة ما ذكر أنه مهمل : مستعمل ، قال الله تعالى : وادكر بعد أمة ( يوسف : 45 ) ، فهل من مدكر ( القمر : 15 ) ، وهذا الذي قاله سهو أوجبه الغفلة عن قاعدة التصريف ، فإن الدال في الموضعين بدل من الذال ; لأن ادكر أصله اذتكر افتعل من الذكر ، وكذلك مدكر أصله مذتكر مفتعل من الذكر أيضا ، فأبدلت التاء ذالا والذال كذلك ، وأدغمت إحداهما في الأخرى ، فصار اللفظ بهما كما ترى .

وقال الزمخشري في تفسير قوله تعالى : سول لهم ( محمد : 25 ) : " سهل لهم ركوب المعاصي " من السول وهو الاسترخاء ، وقد اشتقه من السؤل من لا علم له بالتصريف والاشتقاق جميعا " يعرض بابن السكيت .

وقال أيضا : " من بدع التفاسير أن " الإمام " في قوله تعالى : يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ( الإسراء : 71 ) [ ص: 403 ] جمع " أم " ، وأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم دون آبائهم ; لئلا يفتضح أولاد الزنا ، قال : وليت شعري أيهما أبدع ، أصحة لفظة " أمه " أم بهاء حكمته .

يعني أن " أما " لا يجمع على " إمام " ، هذا كلام من لا يعرف الصناعة ولا لغة العرب .

وقال الراغب في قوله تعالى : فادارأتم فيها ( البقرة : 72 ) هو " تفاعلتم " فأريد منه الإدغام تخفيفا ، وأبدل من التاء دال فسكن للإدغام ، فاجتلبت لها ألف الوصل فحصل على " افاعلتم " .

وقال بعض الأدباء : ادارأتم " افتعلتم " ، وغلط من أوجه :

أولا : أن ادارأتم على ثمانية أحرف ، وافتعلتم على سبعة أحرف .

والثاني : أن الذي يلي ألف الوصل تاء فجعلها دالا .

والثالث : أن الذي يلي الثاني دال فجعلها تاء .

والرابع : أن الفعل الصحيح العين لا يكون ما بعد تاء الافتعال منه إلا متحركا ، وقد جعله هذا ساكنا .

والخامس : أن هاهنا قد دخل بين التاء والدال زائد ، وفي افتعلت لا يدخل ذلك .

والسادس : أنه أنزل الألف منزلة العين وليست بعين .

[ ص: 404 ] والسابع : أن تاء افتعل قبله حرفان وبعده حرفان ، و ادارأتم بعدها ثلاثة أحرف .

وقال ابن جني : من قال : " اتخذت " افتعلت من الأخذ فهو مخطئ ، قال : وقد ذهب إليه أبو إسحاق الزجاج وأنكره عليه أبو علي ، وأقام الدلالة على فساده ، وهو أن ذلك يؤدي إلى إبدال الهمزة تاء ، وذلك غير معروف .

التالي السابق


الخدمات العلمية