الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا

                                                                                                                                                                                                وقضينا إلى بني إسرائيل : وأوحينا إليهم وحيا مقضيا، أي: مقطوعا مبتوتا بأنهم يفسدون في الأرض لا محالة، ويعلون أي: يتعظمون ويبغون، في الكتاب : في [ ص: 495 ] التوراة، و لتفسدن : جواب قسم محذوف، ويجوز أن يجرى القضاء المبتوت مجرى القسم، فيكون "لتفسدن": جوابا له، كأنه قال: وأقسمنا لتفسدن، وقرئ : "لتفسدن" على البناء للمفعول، "ولتفسدن" بفتح التاء من فسد، "مرتين": أولاهما: قتلزكريا وحبس أرميا حين أنذرهم سخط الله، والاخرة: قتل يحيى بن زكريا وقصد قتل عيسى ابن مريم، عبادا لنا : وقرئ : "عبيدا لنا"، وأكثر ما يقال: عباد الله وعبيد الناس: سنحاريبث وجنوده، وقيل: بختنصر، وعن ابن عباس : جالوت، قتلوا علماءهم وأحرقوا التوراة، وخربوا المسجد، وسبوا منهم سبعين ألفا.

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: كيف جاز أن يبعث الله الكفرة على ذلك ويسلطهم عليه؟

                                                                                                                                                                                                قلت: معناه: خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم، على أن الله عز وعلا أسند بعث الكفرة عليهم إلى نفسه، فهو كقوله تعالى: وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون [الأنعام: 129] وكقول الداعي، وخالف بين كلمهم، وأسند الجوس وهو التردد خلال الديار بالفساد إليهم، فتخريب المسجد وإحراق التوراة من جملة الجوس المسند إليهم، وقرأ طلحة "فحاسوا" بالحاء، وقرئ : "فجوسوا"، وخلل الديار.

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: ما معنى: وعد أولاهما ؟

                                                                                                                                                                                                قلت: معناه: وعد عقاب أولاهما وكان وعدا مفعولا يعني: وكان وعد العقاب وعدا لا بد أن يفعل، ثم رددنا : أي: الدولة والغلبة على الذين بعثوا عليكم حين تبتم ورجعتم عن الفساد والعلو، قيل: هي قتل بختنصر، واستنقاذ بني إسرائيل أسراهم وأموالهم، ورجوع الملك إليهم، وقيل: هي قتل داود جالوت، أكثر نفيرا : مما كنتم، والتنفير: من ينفر مع الرجل من قومه، وقيل: جمع نفر كالعبيد والمعيز.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية