الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ الثالثة ] المستفاد بعد النصاب في أثناء الحول ، هل يضم إلى النصاب أو يفرد عنه ؟ إذا استفاد مالا زكويا من جنس النصاب في أثناء حوله فإنه يفرد بحول عندنا ولكن هل نضمه إلى النصاب في العدد ونخلطه به ويزكيه زكاة خالطة أو يفرده بالزكاة كما أفرده بالحول فيه ثلاثة أوجه :

( أحدها ) أنه يفرده بالزكاة كما يفرده بالحول وهذا الوجه مختص بما إذا كان المستفاد نصابا أو دون نصاب ولا يعتبر فرض النصاب أما إن كان دون نصاب وتغير فرض النصاب لم يتأت فيه هذا الوجه صرح به صاحب شرح الهداية لأنه مضموم إلى النصاب في العدد فيلزمه حينئذ جعل ما ليس بوقص في المال وقصا وهو ممتنع ، ويختص هذا الوجه أيضا بالحول الأول دون ما بعده لأن ما بعد الحول الأول تجتمع مع النصاب في الحول كله بخلاف الحول الأول صرح بذلك غير واحد وكلام بعضهم يشعر باطراده في كل الأحوال وصرح القاضي أبو يعلى الصغير بحكاية ذلك وجها .

والوجه الثاني : أنه يزكى زكاة خلطة وصححه صاحب شرح الهداية كما لو اختلط نفسان في أثناء حول وقد ثبت لأحدهما حكم الانفراد فيه دون صاحبه وزعم أن صاحب المغني ضعفه فيه وإنما ضعف الأول .

والوجه الثالث : أنه يضم إلى النصاب فيزكى زكاة ضم وعلى هذا ، فهل الزيادة كنصاب منفرد أم لكل نصاب واحد ؟ على وجهين :

أحدهما : أنها كنصاب منفرد ولولا ذلك لزكى النصاب عقيب تمام حوله بحصته من فرض المجموع ولم يزك زكاة انفراد وهذا قول أبي الخطاب في انتصاره وصاحب المحرر .

والثاني : أنه نصاب واحد وهو ظاهر كلام القاضي وابن عقيل وصاحب المغني [ ص: 375 ] وهو الأظهر إنما زكاة النصاب زكاة انفراد لانفراده في أول حوله الأول بخلاف الحول الثاني وما بعده فعلى هذا إذا تم حول المستفاد وجب إخراج بقية المجموع بكل حال لأنه بكمال حوله يتم حول الجميع . فيجب تتمة زكاته ولا يكون ذلك عن المستفاد بخصوصه ، وعلى الأول إذا تم حول المستفاد وجب فيه ما بقي من فرض الجميع بعد إسقاط ما أخرج عن الأول منه إلا أن يزيد بقية الفرض على فرض المستفاد بانفراده أو نقص عنه أو يكون من غير جنس فرض الأول فإنه يتعذر هاهنا وجه الضم ويتعين وجه الخلطة ويلغو وجه الانفراد أيضا على ما سبق وبهذا كله صرح صاحب شرح الهداية وبناه على أن المخرج عن المستفاد بخصوصيته .

ويظهر فائدة اختلاف هذين الوجهين في أنواع ثلاثة .

( النوع الأول ) أن يكون تتمة فرض زكاة الجميع أكثر من فرض المستفاد لخصوصية مثل أن يملك خمسين من البقر ثم ثلاثين بعدها فإذا تم حول الأولى فعليه مسنة فإذا تم حول الثانية فعليه مسنة أخرى على الوجه الثاني وهو الأظهر وعلى الأول يمتنع الضم هنا لئلا يئول إلى إيجاب مسنة عن ثلاثين ويجب إما تبيع على وجه الانفراد أو ثلاثة أرباع مسنة على وجه الخلطة .

( النوع الثاني ) : أن تكون تتمة الواجب دون فرض المستفاد بانفراده مثل أن يملك ستا وسبعين من الإبل ثم ستا وأربعين بعدها فإذا تم حول الأولى فعليه ابنتا لبون فإذا تم حول الثانية فعلى الوجه الثاني يلزم تمام فرض المجموع وهو بنت لبون وعلى الأول يمنع ذلك لأن فرضه على الانفراد حقة فيزكي ما على الخلطة أو الانفراد . وهذا بعيد فإن وجه الضم إذا اعتبر مع كون المستفاد يصير وقصا محضا يضمه إلى النصاب إن كان فيه زكاة بانفراده فكيف لا يعتبر إذا كان فرضه دون فرضه بانفراده .

( النوع الثالث ) أن يكون فرض النصاب الأول المخرج عند تمام حوله من غير جنس فرض المجموع أو نوعه مثل أن يملك عشرين من الإبل ثم خمسا بعدها فعلى الوجه الأول يمتنع الضم هاهنا لتعذر طرح المخرج عن الأول من واجب الكل وعلى الثاني وهو الأظهر يجب إخراج تتمة الزكاة وإن كان من غير الجنس لضرورة اختلاف الحولين لا سيما ونحن على أحد الوجهين نجبر بتشقيص الفرض لغير ضرورة كإخراج نصفي شاة عن أربعين أو حقتين وبنتي لبون ونصفا عن مائتين من الإبل فهاهنا أولى . وعلى هذا فقد يتفق وجه الخلطة ووجه الضم على هذا التقدير حيث لم تكن زكاة الخلطة مفضية إلى زيادة الفرض أو نقصه ، وقد يختلفان حيث أدى الاتفاق إلى أحد الأمرين وسبب ذلك أن هذا النوع على ضربين :

أحدهما : أن لا يكون في واحد منهما أعني النصاب ، والمستفاد وقص ولا حدث من اجتماعهما وقص فيزكى كما تقدم وهو أن يأخذ فرضي الجميع فيخرج عند تمام حول المستفاد حصته منه ويتفق منها وجه الضم والخلطة فيوجب على الوجهين فيما إذا كان المستفاد خمسا من الإبل [ ص: 376 ] بعد عشرين خمس بنت مخاض وهو مقارب لشاة فإن الشارع أوجب أربع شياه في عشرين وبنت مخاض في خمس وعشرين فتكون مقدرة في خمس فاستقام وكذا لو استفاد عشرة من البقر بعد ثلاثين فإنه يجب للزيادة ربع مسنة لأن التبيع مقابل لثلاثة أرباع مسنة . والمسنة تعدل تبيعا وثلثا أبدا .

الضرب الثاني : أن يكون في المال وقص إما حالة اجتماعه أو حالة انفراده فقط فيختلف ها هنا وجه الضم والخلطة فإنا على وجه الضم نجمع من النصاب الأول ما تعلق به الفرض منه ويضم إليه تتمة نصاب المجموع من الباقي ثم يأخذ من فرض المجموع حصة هذه التتمة وهي بقية ما يتعلق به الفرض من مجموع المال ويجعل الباقي من المال إن بقي منه شيء كالمعدوم ، فمثال ذلك والوقص موجود حالة الاجتماع لو ملك عشرين من الإبل ثم تسعا منها فإذا تم حول الثانية ضممت إلى العشرين الأولى خمسا تكن خمسة وعشرين فرضها بنت مخاض وقد أخرجنا عن العشرين أربع شياه فيخرج عن الباقي خمس بنت مخاض ، وعلى وجه الخلطة يخرج عنها تسعة أجزاء من أصل تسعة وعشرين جزءا من بنت مخاض .

ومثال الوقص موجودا حالة الانفراد فقط لو ملك أربعة عشر من الإبل ثم أحد عشر بعدها فإذا تم حول الأولى فعليه شاتان فإذا تم حول الثانية ضمها إلى عشرة من الإبل تتمة النصاب وهي عشرة فأوجبنا فيها ثلاثة أخماس بنت مخاض لأن فيهما جميعا وقصا لم يؤد عنه ، والمال عند الاجتماع لا وقص فيه فيجب تأدية زكاته كله فإذا كان قد أخرج عن بعضه وجب الإخراج عن جميع ما لم يخرج عنه منه . وعلى وجه الخلطة يجب في الزيادة وحدها خمسان من بنت مخاض وخمس خمس بنت مخاض فإذا تعذر هذا فالمستفاد لا يخلو من أربعة أقسام . ( الأول ) أن يكون نصابا معتبرا للفرض مثل أن يملك أربعين شاة ثم إحدى وثمانين بعدها ففي الأربعين شاة عند حولها ، فإذا تم حول الثانية فوجهان :

أحدهما : فيها شاة أيضا وهو متخرج على وجهي الضم والانفراد .

والثاني : فيها شاة وأحد وأربعون جزءا من أصل مائة وأحد وعشرين جزءا من شاة وهو وجه الخلطة لأن ذلك حصة المستفاد من الشاتين الواجبتين في الجميع .

وذكر القاضي وابن عقيل وجماعة أن وجه الخلطة هنا كوجه الانفراد يجب فيه شاة أيضا لئلا يفضي إلى إيجاب زيادة على فرض الجميع ، وهو مردود بأنهم أوجبوا بالخلطة زيادة على فرض الجميع في غير هذا الموضع .

( القسم الثاني ) أن تكون الزيادة نصابا لا يغير الفرض كمن ملك أربعين شاة ثم أربعين بعدها ففي الأول إذا تم حولها شاة فإذا تم حول الثانية فثلاثة أوجه :

أحدها : لا شيء فيها وهو وجه الضم لأن الزيادة بالضم تصير وقصا .

والثاني : فيها شاة وهو وجه الانفراد .

والثالث فيها نصف شاة وهو وجه الخلطة .

( القسم الثالث ) أن تكون الزيادة لا تبلغ نصابا ولا تغير الفرض كمن ملك أربعين من الغنم ثم ملك بعدها عشرين ففي الأول [ ص: 377 ] إذا تم حولها شاة . فإذا تم حول الثانية فوجهان :

أحدهما : لا شيء فيها وهو متوجه على وجهي الضم والانفراد .

والثاني فيها ثلث الشاة وهو وجه الخلطة .

( القسم الرابع ) أن لا تبلغ الزيادة نصابا . وتغير الفرض كمن ملك ثلاثين من البقر ثم عشرا بعدها فإذا تم حول الأولى ففيها تبيع فإذا تم حول الزيادة فقال الأصحاب يجب فيها ربع مسنة ولم يذكروا فيها خلافا ، ومنهم من صرح بنفي الخلاف كصاحب المحرر وعلل بأن وجه الانفراد متعذر لما سبق وكذا وجه وتوى لأنه يفضي على أصله إلى استثناء شيء وطرحه من غير جنسه وهو طرح التبيع من المسنة وهو متعذر فتعين وجه الخلطة .

وأما صاحب الكافي فظاهر كلامه أن هذا متمش على وجه الضم أيضا بناء على أصله الذي تقدم من أن الكل نصاب واحد ، وفرضه مسنة وقد أخرج تبيعا وهو يعدل ثلاثة أرباع مسنة فيجب إخراج بقية فرض المال وهو هنا ربع مسنة لأن التبيع يعدل ثلاثة أرباع المسنة كما سبق تقريره فتبيع وربع مسنة يعدل المسنة كاملة

التالي السابق


الخدمات العلمية