nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=94يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون استئناف ابتدائي لأن هذا الاعتذار ليس قاصرا على الذين يستأذنوك في التخلف فإن الإذن لهم يغنيهم عن التبرؤ بالحلف الكاذب ، فضمير ( يعتذرون ) عائد إلى أقرب
[ ص: 7 ] معاد وهو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=90وقعد الذين كذبوا الله ورسوله فإنهم
فريق من المنافقين فهم الذين اعتذروا بعد رجوع الناس من غزوة تبوك .
وجعل المسند فعلا مضارعا لإفادة التجدد والتكرير .
و " إذا " هنا مستعملة للزمان الماضي لأن السورة نزلت بعد القفول من غزوة
تبوك .
وجعل الرجوع إلى المنافقين لأنهم المقصود من الخبر الواقع عند الرجوع .
والخطاب للمسلمين لأن المنافقين يقصدون بأعذارهم إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - ويعيدونها مع جماعات المسلمين .
والنهي في قوله : ( لا تعتذروا ) مستعمل في التأييس .
وجملة ( لن نؤمن ) في موضع التعليل للنهي عن الاعتذار لعدم جدوى الاعتذار ، يقال : آمن له إذا صدقه . وقد تقدم في هذه السورة قوله - تعالى : ويؤمن للمؤمنين
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=94قد نبأنا الله من أخباركم تعليل لنفي تصديقهم ، أي قد نبأنا الله من أخباركم بما يقتضي تكذيبكم ، فالإبهام في المفعول الثاني لـ ( نبأنا ) الساد مسد مفعولين تعويل على أن المقام يبينه .
و ( من ) اسم بمعنى بعض ، أو هي صفة لمحذوف تقديره : قد نبأنا الله اليقين من أخباركم .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=94وسيرى الله عملكم عطف على جملة ( لا تعتذروا ) ، أي لا فائدة في اعتذاركم فإن خشيتم المؤاخذة فاعملوا الخير للمستقبل فسيرى الله عملكم ورسوله إن أحسنتم ; فالمقصود فتح باب التوبة لهم ، والتنبيه إلى المكنة من استدراك أمرهم . وفي ذلك تهديد بالوعيد إن لم يتوبوا .
فالإخبار برؤية الله ورسوله عملهم في المستقبل مستعمل في الكناية عن الترغيب في العمل الصالح ، والترهيب من الدوام على حالهم . والمراد : تمكنهم من إصلاح ظاهر
[ ص: 8 ] أعمالهم ، ولذلك أردف بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=94ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة ، أي تصيرون بعد الموت إلى الله . فالرد بمعنى الإرجاع ، كما في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=62ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق في سورة الأنعام .
والرد : الإرجاع . والمراد به هنا مصير النفوس إلى عالم الخلد الذي لا تصرف فيه لغير الله ولو في ظاهر الأمر . ولما كانت النفوس من خلق الله وقد أنزلها إلى عالم الفناء الدنيوي فاستقلت بأعمالها مدة العمر كان مصيرها بعد الموت أو عند البعث إلى تصرف الله فيها شبيها برد شيء إلى مقره أو إرجاعه إلى مالكه .
والغيب : ما غاب عن علم الناس . والشهادة : المشاهدة . واللام في " الغيب والشهادة " للاستغراق ، أي كل غيب وكل شهادة .
والعدول عن أن يقال : لم تردون إليه ، أي إلى الله ، لما في الإظهار من التنبيه على أنه لا يعزب عنه شيء من أعمالهم ، زيادة في الترغيب والترهيب ليعلموا أنه لا يخفى على الله شيء .
والإنباء : الإخبار . وما كنتم تعملون : علم كل عمل عملوه .
واستعمل
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=94فينبئكم بما كنتم تعملون في لازم معناه ، وهو المجازاة على كل ما عملوه ، أي فتجدونه عالما بكل ما عملتموه . وهو كناية ; لأن ذكر المجازاة في مقام الإجرام والجناية لازم لعموم علم ملك يوم الدين بكل ما عملوه .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=94يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تَرُدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِأَنَّ هَذَا الِاعْتِذَارَ لَيْسَ قَاصِرًا عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُوكَ فِي التَّخَلُّفِ فَإِنَّ الْإِذْنَ لَهُمْ يُغْنِيهِمْ عَنِ التَّبَرُّؤِ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ ، فَضَمِيرُ ( يَعْتَذِرُونَ ) عَائِدٌ إِلَى أَقْرَبِ
[ ص: 7 ] مُعَادٍ وَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=90وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّهُمْ
فَرِيقٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فَهُمُ الَّذِينَ اعْتَذَرُوا بَعْدَ رُجُوعِ النَّاسِ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ .
وَجُعِلَ الْمُسْنَدُ فِعْلًا مُضَارِعًا لِإِفَادَةِ التَّجَدُّدِ وَالتَّكْرِيرِ .
وَ " إِذَا " هُنَا مُسْتَعْمَلَةٌ لِلزَّمَانِ الْمَاضِي لِأَنَّ السُّورَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ الْقُفُولِ مِنْ غَزْوَةِ
تَبُوكَ .
وَجُعِلَ الرُّجُوعُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ لِأَنَّهُمُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْخَبَرِ الْوَاقِعِ عِنْدَ الرُّجُوعِ .
وَالْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ يَقْصِدُونَ بِأَعْذَارِهِمْ إِلَى النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُعِيدُونَهَا مَعَ جَمَاعَاتِ الْمُسْلِمِينَ .
وَالنَّهْيُ فِي قَوْلِهِ : ( لَا تَعْتَذِرُوا ) مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّأْيِيسِ .
وَجُمْلَةُ ( لَنْ نُؤْمِنَ ) فِي مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ عَنِ الِاعْتِذَارِ لِعَدَمِ جَدْوَى الِاعْتِذَارِ ، يُقَالُ : آمَنَ لَهُ إِذَا صَدَّقَهُ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ قَوْلُهُ - تَعَالَى : وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=94قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ تَعْلِيلٌ لِنَفْيِ تَصْدِيقِهِمْ ، أَيْ قَدْ نَبَّأْنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ بِمَا يَقْتَضِي تَكْذِيبَكُمْ ، فَالْإِبْهَامُ فِي الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِـ ( نَبَّأَنَا ) السَّادِّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْنِ تَعْوِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَقَامَ يُبَيِّنُهُ .
وَ ( مِنْ ) اسْمٌ بِمَعْنَى بَعْضٍ ، أَوْ هِيَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ : قَدْ نَبَّأْنَا اللَّهُ الْيَقِينَ مِنْ أَخْبَارِكُمْ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=94وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ ( لَا تَعْتَذِرُوا ) ، أَيْ لَا فَائِدَةَ فِي اعْتِذَارِكُمْ فَإِنْ خَشِيتُمُ الْمُؤَاخَذَةَ فَاعْمَلُوا الْخَيْرَ لِلْمُسْتَقْبَلِ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ إِنْ أَحْسَنْتُمْ ; فَالْمَقْصُودُ فَتْحُ بَابِ التَّوْبَةِ لَهُمْ ، وَالتَّنْبِيهُ إِلَى الْمِكْنَةِ مِنِ اسْتِدْرَاكِ أَمْرِهِمْ . وَفِي ذَلِكَ تَهْدِيدٌ بِالْوَعِيدِ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا .
فَالْإِخْبَارُ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَمَلَهُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْكِنَايَةِ عَنِ التَّرْغِيبِ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ ، وَالتَّرْهِيبِ مِنَ الدَّوَامِ عَلَى حَالِهِمْ . وَالْمُرَادُ : تُمَكُّنُهُمْ مِنْ إِصْلَاحِ ظَاهِرِ
[ ص: 8 ] أَعْمَالِهِمْ ، وَلِذَلِكَ أَرْدَفَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=94ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، أَيْ تَصِيرُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَى اللَّهِ . فَالرَّدُّ بِمَعْنَى الْإِرْجَاعِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=62ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ .
وَالرَّدُّ : الْإِرْجَاعُ . وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَصِيرُ النُّفُوسِ إِلَى عَالَمِ الْخُلْدِ الَّذِي لَا تُصْرَفُ فِيهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَوْ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ . وَلَمَّا كَانَتِ النُّفُوسُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَقَدْ أَنْزَلَهَا إِلَى عَالَمِ الْفَنَاءِ الدُّنْيَوِيِّ فَاسْتَقَلَّتْ بِأَعْمَالِهَا مُدَّةَ الْعُمْرِ كَانَ مَصِيرُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ عِنْدَ الْبَعْثِ إِلَى تَصَرُّفِ اللَّهِ فِيهَا شَبِيهًا بِرَدِّ شَيْءٍ إِلَى مَقَرِّهِ أَوْ إِرْجَاعِهِ إِلَى مَالِكِهِ .
وَالْغَيْبُ : مَا غَابَ عَنْ عِلْمِ النَّاسِ . وَالشَّهَادَةُ : الْمُشَاهَدَةُ . وَاللَّامُ فِي " الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ " لِلِاسْتِغْرَاقِ ، أَيْ كُلِّ غَيْبٍ وَكُلِّ شَهَادَةٍ .
وَالْعُدُولُ عَنْ أَنْ يُقَالَ : لِمَ تُرَدُّونَ إِلَيْهِ ، أَيْ إِلَى اللَّهِ ، لِمَا فِي الْإِظْهَارِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِهِمْ ، زِيَادَةً فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ .
وَالْإِنْبَاءُ : الْإِخْبَارُ . وَمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ : عِلْمُ كُلِّ عَمَلٍ عَمِلُوهُ .
وَاسْتَعْمَلَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=94فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ ، وَهُوَ الْمُجَازَاةُ عَلَى كُلِّ مَا عَمِلُوهُ ، أَيْ فَتَجِدُونَهُ عَالِمًا بِكُلِّ مَا عَمِلْتُمُوهُ . وَهُوَ كِنَايَةٌ ; لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُجَازَاةِ فِي مَقَامِ الْإِجْرَامِ وَالْجِنَايَةِ لَازِمٌ لِعُمُومِ عِلْمِ مَلِكِ يَوْمَ الدِّينِ بِكُلِّ مَا عَمِلُوهُ .