الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومما يدل على أن تحريم امرأة أبيه وابنه من الرضاعة ليس مسألة إجماع ، أنه قد ثبت عن جماعة من السلف جواز نكاح بنت امرأته إذا لم تكن في حجره ، كما صح عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري قال : كانت عندي امرأة وقد ولدت لي فتوفيت فوجدت عليها ، فلقيت علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال لي : ما لك ؟ قلت : توفيت المرأة ، قال : لها ابنة ؟ قلت : نعم ، قال : كانت في حجرك ؟ قلت : لا ، هي في الطائف . قال : فانكحها ، قلت : فأين قوله تعالى : ( وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم ) ؟ [ النساء : 23 ] . قال : إنها لم تكن في حجرك ، وإنما ذلك إذا كانت في حجرك .

[ ص: 501 ] وصح عن إبراهيم بن ميسرة أن رجلا من بني سواءة يقال له : عبيد الله بن معبد ، أثنى عليه خيرا ، أخبره أن أباه أو جده كان قد نكح امرأة ذات ولد من غيره ، ثم اصطحبا ما شاء الله ، ثم نكح امرأة شابة ، فقال أحد بني الأولى : قد نكحت على أمنا وكبرت واستغنيت عنها بامرأة شابة ، فطلقها ، قال : لا والله إلا أن تنكحني ابنتك ، قال : فطلقها وأنكحه ابنته ، ولم تكن في حجره هي ولا أبوها . قال فجئت سفيان بن عبد الله ، فقلت : استفت لي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : لتحجن معي ، فأدخلني على عمر - رضي الله عنه - بمنى ، فقصصت عليه الخبر ، فقال عمر : لا بأس بذلك فاذهب فسل فلانا ثم تعال فأخبرني . قال : ولا أراه إلا عليا ، قال : فسألته ، فقال : لا بأس بذلك ، وهذا مذهب أهل الظاهر . فإذا كان عمر وعلي - رضي الله عنهما - ومن يقول بقولهما قد أباحا الربيبة إذا لم تكن في حجر الزوج ، مع أنها ابنة امرأته من النسب ، فكيف يحرمان عليه ابنتها من الرضاع ، وهذه ثلاثة قيود ذكرها الله سبحانه وتعالى في تحريمها ، أن تكون في حجره ، وأن تكون من امرأته ، وأن يكون قد دخل بأمها . فكيف يحرم عليه مجرد ابنتها من الرضاعة ، وليست في حجره ، ولا هي ربيبته لغة ، فإن الربيبة بنت الزوجة ، والربيب ابنها باتفاق الناس ، وسميا ربيبا وربيبة لأن زوج أمهما يربهما في العادة ، وأما من أرضعتهما امرأته بغير لبنه ، ولم يربها قط ، ولا كانت في حجره ، فدخولها في هذا النص في غاية البعد لفظا ومعنى ، وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحريم الربيبة بكونها في الحجر . ففي " صحيح البخاري " من حديث الزهري عن عروة أن زينب بنت أم سلمة أخبرته أن ( أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت : يا رسول الله ، أخبرت أنك تخطب بنت أبي سلمة ، فقال : بنت أم سلمة ؟ قالت : نعم ، فقال : إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري لما حلت لي ) . وهذا يدل على [ ص: 502 ] اعتباره - صلى الله عليه وسلم - القيد الذي قيده الله في التحريم وهو أن تكون في حجر الزوج .

ونظير هذا سواء ، أن يقال في زوجة ابن الصلب إذا كانت محرمة برضاع : لو لم تكن حليلة ابني الذي لصلبي ، لما حلت لي سواء ، ولا فرق بينهما ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية