الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون

الجملة مستأنفة ابتدائية تعداد لأحوالهم . ومعناها ناشئ عن مضمون جملة لن نؤمن لكم تنبيها على أنهم لا يرعوون عن الكذب ومخادعة المسلمين ، فإذا قيل لهم لن نؤمن لكم حلفوا على أنهم صادقون ترويجا لخداعهم .

[ ص: 9 ] وهذا إخبار بما سيلاقي به المنافقون المسلمين قبل وقوعه وبعد رجوع المسلمين من الغزو .

و ( إذا ) هنا ظرف للزمن الماضي .

وحذف المحلوف عليه لظهوره ، ولتقدم نظيره في قوله : وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم إلا أن ما تقدم في حلفهم قبل الخروج .

والانقلاب : الرجوع ، وتقدم في قوله : انقلبتم على أعقابكم في آل عمران .

وصرح بعلة الحلف هنا أنه لقصد إعراض المسلمين عنهم ، أي عن عتابهم وتقريعهم ، للإشارة إلى أنهم لا يقصدون تطييب خواطر المسلمين ولكن أرادوا التملص من مسبة العتاب ولذعه . ولذلك قال في الآيتين الأخريين يحلفون بالله لكم ليرضوكم - يحلفون لكم لترضوا عنهم لأن ذلك كان قبل الخروج إلى الغزو فلما فات الأمر وعلموا أن حلفهم لم يصدقه المسلمون صاروا يحلفون لقصد أن يعرض المسلمون عنهم .

وأدخل حرف ( عن ) على ضمير المنافقين بتقدير مضاف يدل عليه السياق لظهور أنهم يريدون الإعراض عن لومهم . ففي حذف المضاف تهيئة لتفريع التقريع الواقع بعده بقوله : فأعرضوا عنهم ، أي فإذا كانوا يرومون الإعراض عنهم فأعرضوا عنهم تماما .

وهذا ضرب من التقريع فيه إطماع للمغضوب عليه الطالب بأنه أجيبت طلبته حتى إذا تأمل وجد ما طمع فيه قد انقلب عكس المطلوب فصار يأسا لأنهم أرادوا الإعراض عن المعاتبة بالإمساك عنها واستدامة معاملتهم معاملة المسلمين ، فإذا بهم يواجهون بالإعراض عن مكالمتهم ومخالطتهم وذلك أشد مما حلفوا للتفادي عنه . فهو من تأكيد الشيء بما يشبه ضده أو من القول بالموجب .

وجملة ( إنهم رجس ) تعليل للأمر بالإعراض . ووقوع ( إن ) في أولها مؤذن بمعنى التعليل .

[ ص: 10 ] والرجس : الخبث . والمراد تشبيههم بالرجس في الدناءة ودنس النفوس . فهو رجس معنوي . كقوله : إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان

والمأوى : المصير والمرجع .

و ( جزاء ) حال من جهنم ، أي مجازاة لهم على ما كانوا يعملون .

التالي السابق


الخدمات العلمية