الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولبس القميص والسراويل والعمامة والقلنسوة والقباء والخفين إلا أن لا تجد النعلين فاقطعهما أسفل من الكعبين والثوب المصبوغ بورس أو زعفران أو عصفر إلا أن يكون غسيلا لا ينفض ) كما دل عليه حديث الصحيحين والسراويل أعجمية والجمع سراويلات منصرف في أحد استعماليه ، ويؤنث والقباء بالمد على وزن فعال بالفتح ، والورس صبغ أصفر يؤتى به من اليمن واختلف في قولهم لا ينفض فقيل لا يفوح ، وقيل لا يتناثر والثاني غير صحيح ; لأن العبرة للطيب لا للتناثر ألا ترى أنه لو كان ثوبا مصبوغا له رائحة طيبة ولا يتناثر منه شيء فإن المحرم يمنع منه كذا في المستصفى ، والمراد بلبس القباء أن يدخل منكبيه ويديه في كميه ; لأنه لو لم يدخل يديه في كميه فإنه يجوز عندنا خلافا لزفر كذا في غاية البيان والكعب هنا المفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشراك فيما روى هشام عن محمد بخلافه في الوضوء فإنه العظم الناتئ أي المرتفع ولم يعين في الحديث أحدهما لكن لما كان الكعب يطلق عليه وعلى الثاني حمله عليه احتياطا ، كذا في فتح القدير أي حمل الكعب في الإحرام على المفصل المذكور لأجل الاحتياط ; لأن الأحوط فيما كان أكثر كشفا وهو قيما قلنا فالحاصل أنه يجوز لبس كل شيء في رجله لا يغطي الكعب الذي في وسط القدم سرموزه كان أو مداسا أو غير ذلك ، ويدخل في لبس القميص لبس الزردة والبرنس ، وخرج باللبس الارتداء بالقميص ونحوه ; لأنه ليس بلبس وذكر الحلبي في مناسكه أن ضابطه لبس كل شيء معمول على قدر البدن أو بعضه بحيث يحيط به بخياطة أو تلزيق بعضه ببعض أو غيرهما ، ويستمسك عليه بنفس لبس مثله إلا المكعب ، ويدخل [ ص: 349 ] في الخفين الجوربان ، ولم أر من صرح بما إذا كان قادرا على النعلين فهل له أن يقطع الخفين أسفل من الكعبين ، والظاهر من الحديث وكلامهم أنه لا يجوز بمعنى لا يحل لما فيه من إتلاف ماله لغير ضرورة .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله كل شيء معمول على قدر البدن أو بعضه ) يدخل فيه القفازان وهما ما يلبس في اليدين قال في شرح اللباب : وكذا أي يحرم لبس المحرم القفازين لما نقل عز الدين بن جماعة من أنه يحرم عليه لبس القفازين في يديه عند الأئمة الأربعة ، وقال الفارسي ويلبس المحرم القفازين ولعله محمول على جوازه مع الكراهة في حق الرجل فإن المرأة ليست ممنوعة من لبسهما وإن كان الأولى لها أن لا تلبسهما لقوله عليه الصلاة والسلام { ولا تلبس القفازين } جمعا بين الدلائل كذا ذكروه لكن ليس فيه ما يدل على أن الرجل ممنوع من تغطية يديه اللهم إلا أن يقال هو نوع من لبس المخيط والله أعلم ا هـ .

                                                                                        وقال السندي في المنسك الكبير وما ذكره الفارسي من جواز لبسهما خلاف كلمة الأصحاب ; لأنهم ذكروا جواز لبسهما فيما يختص بالمرأة . قال في البدائع : لأن لبس القفازين لبس لا تغطية ، وأنها غير ممنوعة عن ذلك ، وقوله عليه السلام { ولا تلبس القفازين } نهي ندب حملناه عليه جمعا بين الدلائل بقدر الإمكان ا هـ .

                                                                                        وعلى هذا فقول السندي في منسكه المتوسط المسمى باللباب أنه يباح له تغطية يديه أراد به تغطيتهما بنحو منديل ; لأن التغطية غير اللبس فلا يدخل فيه لبس القفازين [ ص: 349 ] ( قوله ولم أر من صرح إلخ ) قال في النهر في لباب المناسك ولو وجد النعلين بعد لبسهما أي لبس الخفين المقطوعين يجوز له الاستدامة على ذلك ، ويجوز لبس المقطوع مع وجود النعلين ا هـ .

                                                                                        قال شارحه لكنه لا ينافي الكراهة المرتبة على مخالفة السنة ، وقال قبله ما حاصله حكى الطبري عن أبي حنيفة أنه إذا كان قادرا على النعلين لا يجوز له لبس الخفين ولو قطعهما لكن هذا خلاف المذهب ، ولعله رواية عنه والظاهر أن لبسهما حينئذ مخالف للسنة فيكره ، وتحصل به الإساءة وقال ابن الهمام اختلف المشايخ في جوازه ومقتضى النص أنه مقيد بما إذا لم يجد نعلين أقول : الظاهر أن قيد عدم وجدان النعلين لوجوب قطع الخفين بخلاف ما إذا وجدا فإنه لا يجب القطع حينئذ لما فيه من إضاعة المال عبثا ، وهو لا ينافي ما إذا قطعهما ولبسهما مع وجود النعلين ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية