الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1319 (113) باب

                                                                                              تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها

                                                                                              [ 667 ] عن أبي هريرة ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت ، يتغنى بالقرآن يجهر به .

                                                                                              وفي رواية : كإذنه ، مكان : ما أذن .

                                                                                              رواه أحمد (2 \ 450)، والبخاري (5024)، ومسلم (792) (233) و (234)، وأبو داود (1473)، والنسائي (2 \ 180) .

                                                                                              [ ص: 421 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 421 ] (113) [ ومن باب : تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها ]

                                                                                              قوله : ما أذن الله ; أي : ما استمع الله وأصغى . وأصله : أن المستمع يميل بأذنه إلى جهة المستمع ، تقول العرب : أذن ; بكسر الذال ، يأذن بفتحها في المستقبل ; أذنا بفتح الهمزة والذال في المصدر : إذا أصغى واستمع . وهذا المعنى في حق الله تعالى محال ، وإنما هو من باب التوسع على ما جرى به عرف التخاطب ، وهو منصرف في حق الله تعالى لإكرام القارئ وإجزال ثوابه . ووجه هذا التوسع : أن الإصغاء إلى الشيء قبول له ، واعتناء به ، ويترتب على ذلك إكرام المصغى إليه ، فعبر عن الإكرام بالإصغاء ; إذ هو عنه . وفائدة هذا الخبر حث القارئ على إعطاء القراءة حقها من : ترتيلها ، وتحسينها ، وتطييبها بالصوت الحسن ما أمكن .

                                                                                              فأما قوله : يتغنى بالقرآن ، فتمسك به من يجوز قراءة القرآن بالألحان ، وهو أبو حنيفة وجماعة من السلف ، وقال به الشافعي في التحزين ، وكرهه مالك وأكثر العلماء ، ولا أشك أن موضع الخلاف في هذه المسألة إنما هو إذا لم يغير لفظ القرآن بزيادة أو نقصان ، أو يبهم معناه بترديد الأصوات ، فلا يفهم معنى القرآن ، فإن هذا مما لا شك في تحريمه . فأما إذا سلم من ذلك ، وحذى به حذو أساليب الغناء والتطريب والتحزين فقط ، فقد قال مالك : ينبغي أن ننزه أذكار الله ، وقراءة القرآن عن التشبه بأحوال المجون والباطل ; فإنها حق ، وجد ، وصدق . والغناء : هزل ، ولهو ، ولعب . وهذا الذي قاله مالك وجمهور العلماء هو الصحيح ; بدليل ما ذكر ، وبأدلة أخرى : [ ص: 422 ] منها : أن كيفية قراءة القرآن قد بلغتنا متواترة عن كافة المشايخ جيلا فجيلا إلى العصر الكريم ; إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وليس فيها تلحين ولا تطريب ، مع كثرة المتعمقين والمتنطعين في مخارج الحروف ، وفي المد ، والإدغام ، والإظهار ، وغير ذلك من كيفية القراءات ، وهذا قاطع .

                                                                                              ومنها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال : لست من دد ولا الدد مني ، والدد : هو اللعب ، واللهو ، ومعنى ذلك : أن اللعب لا يليق بأحواله ، فكيف بقرآنه وقراءته ؟!

                                                                                              ومنها : أن التطريب والترجيع يؤدي إلى الزيادة في القرآن ، والنقص منه ، وهما ممنوعان ، فالمؤدي إليهما ممنوع ; وبيانه : أن التطريب ، والتلحين يحتاج من ضروراته أن يمد في غير موضع المد ، وينقص ; مراعاة للوزن ; كما هو معلوم عند أهله .

                                                                                              ومنها : أنه يؤدي إلى تشبيه القرآن بالشعر ، وقد نزهه الله عن الشعر وأحواله ، حيث قال تعالى : إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر [ الحاقة : 40 - 41 ]

                                                                                              وقد تأول من منع من تلحين القرآن ، قوله - صلى الله عليه وسلم - : يتغنى به . وقوله : ليس منا من لم يتغن بالقرآن ; على تأويلات :

                                                                                              أحدها : أن معناه أنه يستغني به ، يقال : تغنيت ، وتغانيت ، بمعنى : استغنيت ، قاله سفيان .

                                                                                              وثانيها : أن معناه يجعله مكان الغناء ، وبدلا منه ، فيستديم تلاوته ، ويستطيبه كما يستطيب الغناء .

                                                                                              [ ص: 423 ] وثالثها : أن معناه : يجهر به . كما فسره الصحابي راوي الحديث ، وهذا أشبه ; لأن العرب تسمي كل من رفع صوته ووالى به : غانيا ، وفعله ذلك : غناء ، وإن لم يلحنه تلحين الغناء ، وعلى هذا فسره الصحابي ، وهو أعلم بالمقال ، وأقصد بالحال . والله تعالى أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية