الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل وقد دل التحريم بلبن الفحل على تحريم المخلوقة من ماء الزاني دلالة الأولى والأحرى ؛ لأنه إذا حرم عليه أن ينكح من قد تغذت بلبن ثار بوطئه ، فكيف يحل له أن ينكح من قد خلق من نفس مائه بوطئه ؟ وكيف يحرم الشارع بنته من الرضاع لما فيها من لبن كان وطء الرجل سببا فيه ، ثم يبيح له نكاح من خلقت بنفس وطئه ومائه ؟ هذا من المستحيل ؛ فإن البعضية التي بينه وبين المخلوقة من مائه أكمل وأتم من البعضية التي بينه وبين من تغذت بلبنه ، فإن بنت الرضاع فيها جزء ما من البعضية ، والمخلوقة من مائه كاسمها مخلوقة من مائه ، فنصفها أو أكثرها بعضه قطعا ، والشطر الآخر للأم ، وهذا قول جمهور المسلمين ، ولا يعرف [ ص: 507 ] في الصحابة من أباحها ، ونص الإمام أحمد رحمه الله على أن من تزوجها ، قتل بالسيف محصنا كان أو غيره .

وإذا كانت بنته من الرضاعة بنتا في حكمين فقط : الحرمة ، والمحرمية ، وتخلف سائر أحكام البنت عنها لم تخرجها عن التحريم ، وتوجب حلها ، فكذا بنته من الزنى تكون بنتا في التحريم ، وتخلف أحكام البنت عنها لا يوجب حلها ، والله سبحانه خاطب العرب بما تعقله في لغاتها ، ولفظ البنت لفظ لغوي لم ينقله الشارع عن موضعه الأصلي ، كلفظ الصلاة والإيمان ونحوهما ، فيحمل على موضوعه اللغوي حتى يثبت نقل الشارع له عنه إلى غيره ، فلفظ البنت كلفظ الأخ والعم والخال ألفاظ باقية على موضوعاتها اللغوية .

وقد ثبت في " الصحيح " أن الله تعالى أنطق ابن الراعي الزاني بقوله : أبي فلان الراعي وهذا الإنطاق لا يحتمل الكذب ، وأجمعت الأمة على تحريم أمه عليه . وخلقه من مائها وماء الزاني خلق واحد ، وإثمهما فيه سواء ، وكونه بعضا له مثل كونه بعضا لها ، وانقطاع الإرث بين الزاني والبنت لا يوجب جواز نكاحها ، ثم من العجب كيف يحرم صاحب هذا القول أن يستمني الإنسان بيده ، ويقول : هو نكاح ليده ، ويجوز للإنسان أن ينكح بعضه ، ثم يجوز له أن يستفرش بعضه الذي خلقه الله من مائه ، وأخرجه من صلبه ، كما يستفرش الأجنبية .

التالي السابق


الخدمات العلمية