الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا

                                                                                                                                                                                                طائره : عمله، وقد حققنا القول فيه في سورة النمل، وعن ابن عيينة : هو من قولك: طار له سهم، إذا خرج، يعني: ألزمناه ما طار من عمله، والمعنى: أن عمله لازم له لزوم القلادة أو الغل لا يفك عنه، ومنه مثل العرب: تقلدها طوق الحمامة، وقولهم: [ ص: 499 ] الموت في الرقاب، وهذا وبقة في رقبته، عن الحسن: يا ابن آدم، بسطت لك صحيفة إذا بعثت قلدتها في عنقك، وقرئ : "في عنقه" بسكون النون، وقرئ : "ونخرج" بالنون، "ويخرج" بالياء، والضمير لله عز وجل، "ويخرج" على البناء للمفعول، ويخرج من خرج، والضمير للطائر، أي: يخرج الطائر كتابا، وانتصاب "كتابا" على الحال، وقرئ : "يلقاه": بالتشديد مبنيا للمفعول، و يلقاه منشورا : صفتان للكتاب، أو "يلقاه": صفة، و"منشورا": حال من يلقاه، "اقرأ": على إرادة القول، وعن قتادة : يقرأ ذلك اليوم من لم يكن في الدنيا قارئا، و "بنفسك": فاعل كفي، و"حسيبا": تمييز وهو بمعنى: حاسب كضريب القداح بمعنى: ضاربها، وصريم بمعنى: صارم، ذكرهما سيبويه ، وعلى متعلق به من قولك حسب عليه كذا، ويجوز أن يكون بمعنى: الكافي وضع موضع الشهيد فعدي بعلى; لأن الشاهد يكفي المدعي ما أهمه.

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: لم ذكر حسيبا ؟

                                                                                                                                                                                                قلت: لأنه بمنزلة الشهيد والقاضي والأمير; لأن الغالب أن هذه الأمور يتولاها الرجال، فكأنه قيل: كفي بنفسك رجلا حسيبا، ويجوز أن يتأول النفس بالشخص، كما يقال: ثلاثة أنفس، وكان الحسن إذا قرأها قال: يا ابن آدم، أنصفك والله من جعلك حسيب نفسك.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية