الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [206] إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون

                                                                                                                                                                                                                                      " إن الذين عند ربك يعني الملائكة الذين هم في أعلى مقامات القرب " لا يستكبرون عن عبادته أي لا يتعظمون عنها. وقوله " ويسبحونه وله يسجدون أي فينبغي أن يقتدى بهم فيما ذكر عنهم، ففيه حث ولطف مرغب في ذلك، لأنه إذا كان أولئك -وهم ما هم في قرب المنزلة والعصمة- حالهم في عبادته تعالى وتسبيحه ما ذكر، فكيف ينبغي أن يكون غيرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيهات:

                                                                                                                                                                                                                                      الأول: قال الرازي : تمسك أبو بكر الأصم بهذه الآية في تفضيل الملائكة على البشر قال: لأنه تعالى لما أمر رسوله بالعبادة والذكر قال: " إن الذين عند ربك الآية، أي فأنت أولى وأحق بالعبادة، والمسألة مستوفاة في كتب الكلام. واستنبط من قال بالتفضيل المذكور من الآية، أنه ينبغي للعبد أن ينظر إلى من فوقه في طاعة الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: قال الرازي : المشبهة تمسكوا بقوله تعالى: " إن الذين عند ربك وقالوا: لفظ (عند) مشعر بالجهة. ثم أجاب بما هو معروف للخلف. ويعني -سامحه الله- بالمشبهة الحنابلة، وهم براء من التشبيه، كما يعلمه من طالع عقائدهم، واقفون على حد النصوص بلا تشبيه ولا تعطيل، ولم ينفردوا بذلك، فقد تقدمهم من لا يحصى في هذه المسألة. راجع كتاب (العلو للذهبي ) تعلم ما ذكرنا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 2939 ] الثالث: قال الجشمي : تدل الآية على كون الملائكة مكلفين. وتدل على أنهم سجدوا لله، وآدم كان قبلة السجود، لأنه وصفهم بأنهم يسجدون له.

                                                                                                                                                                                                                                      الرابع: هذه أول سجدة في القرآن مما يشرع لتاليها ومستمعها السجود بالإجماع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ورد في حديث رواه ابن ماجه عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه عدها في سجدات القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      وروى الشيخان عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن، فيقرأ سورة فيها سجدة، فيسجد ونسجد معه، حتى ما يجد بعضنا موضعا لمكان جبهته، في غير وقت صلاة .

                                                                                                                                                                                                                                      وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويلتا أمر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار » .

                                                                                                                                                                                                                                      وروى مسلم عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: « عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة، إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة» .

                                                                                                                                                                                                                                      الخامس: السجدة المشروعة، إن كانت لآية، أمر فيها بالسجود فللأمر، أو حكى فيها [ ص: 2940 ] استنكاف الكفرة عنه، فلمخالفتهم وإرغامهم، أو حكي فيها سجود الأنبياء أو الملائكة، فللتأسي بهم- كذا في (العناية)-.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا آخر ما تيسر تعليقه على سورة الأعراف، فلله الحمد على هذا التسهيل والإسعاف، ونسأله بمنه وكرمه العون على الإتمام، فإنه ذو الجلال والإكرام.

                                                                                                                                                                                                                                      وكان الفراغ من ذلك طلوع الشمس من يوم الثلاثاء، في 26 رمضان المبارك سنة 1321 بشباك السدة العليا اليمنى من جامع السنانية على يد الفقير جمال الدين القاسمي غفر الله له، ولوالديه ولجميع المؤمنين، ورحمه وإياهم إنه أرحم الراحمين.

                                                                                                                                                                                                                                      تم الجزء السابع ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثامن ويحتوي على تفسير سورتي الأنفال والتوبة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية