الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 251 ] ( ( و ) ) مما اختلف فيه فأثبته السلف والماتريدية دون غيرهم من المعتزلة والكلابية والأشعرية صفة ( ( خلقه ) ) ، لكن الأشعرية ونحوهم يثبتون له تعالى الصفات السبع المتقدمة ، وأما المعتزلة فتنفي قيام الصفات والأفعال به ، وتسمي الصفات أعراضا والأفعال حوادث ، ويقولون لا تقوم به تعالى الأعراض ولا الحوادث ، فيتوهم من لم يعرف حقيقة قولهم أنهم ينزهون الله تعالى عن النقائض والعيوب والآفات ، ولا ريب أن الله تعالى يحب تنزيهه عن كل عيب ونقص وآفة ، فإنه القدوس السلام الصمد الكامل في كل نعت من نعوت الكمال ، كمالا لا يدرك الخلق حقيقته ، منزها عن كل نقص تنزيها لا يدرك الخلق كماله ، وكل كمال يثبت لموجود من غير استلزام نقص فالخالق تعالى أحق ( به وأكمل فيه منه ، وكل نقص تنزه عنه مخلوق فالخالق أحق ) بتنزيهه عنه وأولى ببراءته منه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله سره - في مسألة حسن إرادة الله تعالى لخلق الخلق وإنشاء الأنام : روينا من طريق غير واحد كعثمان بن سعيد الدارمي ، وأبي جعفر الطبري ، والبيهقي ، وغيرهم في تفسير علي بن طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ( الصمد ) قال : السيد الذي كمل في كل سؤدده ، والشريف الذي قد كمل في شرفه ، والعظيم الذي قد كمل في عظمته ، والحكيم الذي قد كمل في حكمته ، والغني الذي قد كمل في غناه ، الجبار الذي قد كمل في جبروته ، والعالم الذي قد كمل في علمه ، والحليم الذي قد كمل في حلمه ، وهو الذي كمل في أنواع الشرف والسؤدد ، وهو الله عز وجل ، هذه صفته لا تنبغي إلا له ، ليس له كفؤ وليس كمثله شيء ، سبحان الله الواحد القهار .

قال وهذا التفسير ثابت عن عبد الله بن صالح ، ( عن معاوية بن صالح ) عن علي بن أبي طلحة الوالبي ، لكن يقال إنه لم يسمع التفسير من ابن عباس ، لكن مثل هذا الكلام ثابت عن السلف ، وقد روي عن سعيد بن جبير أيضا أنه قال : الصمد الكامل في صفاته وأفعاله ، وثبت عن أبي وائل شقيق بن سلمة أنه قال : الصمد السيد الذي انتهى سؤدده ، وهذه الأقوال وما أشبهها لا تنافي ما قاله كثير من السلف كسعيد بن [ ص: 252 ] المسيب ، وابن جبير ، ومجاهد ، والحسن ، والسدي ، والضحاك ، وغيرهم من أن : الصمد هو الذي لا جوف له ، وهذا منقول عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، وعن عبيد الله بن بريدة ، عن أبيه ، موقوفا أو مرفوعا فإن كلا القولين حق ، قال : ولفظ الأعراض في اللغة قد يفهم منه ما يعرض للإنسان من الأمراض ونحوها ، وكذلك لفظ الحوادث والمحدثات قد يفهم منه ما يحدثه الناس من الأفعال المذمومة والبدع التي ليست مشروعة ، أو ما يحدث بالإنسان من نحو الأمراض ، والله تعالى يجب تنزيهه عما هو فوق ذلك مما فيه نوع نقص ، ولكن لم يكن مقصود المعتزلة بقولهم ، منزه عن الأعراض والحوادث إلا نفي صفاته الذاتية وأفعاله الاختيارية ، فعندهم لا يقوم به علم ولا قدرة ولا مشيئة ولا رحمة ولا حب ولا رضا ولا فرح ولا خلق ولا إحسان ولا عدل ولا إتيان ولا مجيء ولا نزول ولا استواء ولا غير ذلك من صفاته وأفعاله .

وجماهير المسلمين يخالفونهم في ذلك ، ومن الطوائف من ينازعهم في الصفات دون الأفعال ومنهم من ينازعهم في بعض الصفات دون بعض ، ومن الناس من ينازعهم في الفعل القديم فيقول إن فعله تعالى قديم وإن كان المفعول محدثا ، انتهى .

وقال الوزنني من الحنفية في كتابه الذي سماه ( مرقاة المبتدئين ، في أصول الدين ) - وهو شرح المنظومة المعروفة بالجواهر - ما ملخصه : التخليق صفة الله تعالى وهو فعل الله لاقتضاء المفعول ، لاستحالة مفعول بلا فعل ، ففعله تعالى صفة له ، فاستحال دخوله تحت قدرته وإرادته . ثم قال : واعلم أن الأئمة الأربعة ونظائرهم من أئمة أهل السنة وأكثر رجال الصوفية الذين كانت كراماتهم ظاهرة مثل مالك بن دينار ، وإبراهيم بن أدهم ، والفضيل بن عياض ، وذي النون المصري ، والسري السقطي ، ومعروف الكرخي ، وسهل بن عبد الله التستري ، ومن نشر علم الإشارة الجنيد البغدادي ، وأبو بكر الشبلي ، وغيرهم كانوا يصفون الله بالفعل والكلام والرؤية والسمع كما يصفونه بالحياة والعلم والقدرة . ثم حط على الأشعري وأنه أتى بخلاف مذهب أهل السنة . انتهى

وقال النسفي في عقائده المشهورة : والتكوين صفة لله أزلية وهو [ ص: 253 ] تكوينه للعالم ولكل جزء من أجزائه ، وهو غير المكون عندنا .

قال شارحها المحقق التفتازاني : التكوين هو المعنى المعبر عنه بالفعل والخلق والتخليق والإيجاد والإحداث والاختراع ونحو ذلك ، ويفسر بإخراج المعدوم من العدم إلى الوجود صفة لله تعالى لإطباق العقل والنقل على أنه خالق للعالم مكون له ، وامتناع إطلاق الاسم المشتق على الشيء من غير أن يكون مأخذ الاشتقاق وصفا قائما به أزلية لوجوه :

( الأول ) أنه يمتنع قيام الحوادث بذاته تعالى .

( الثاني ) أنه وصف ذاته في كلامه الأزلي بأنه الخالق ، فلو لم يكن في الأزل خالقا للزم الكذب أو العدول إلى المجاز - أي الخالق في ما يستقبل ، أو القادر على الخلق - من غير تعذر الحقيقة ، على أنه لو جاز إطلاق الخالق عليه بمعنى القادر ، لجاز إطلاق كل ما يقدر عليه من الأعراض .

( الثالث ) أنه لو كان حادثا فإما بتكوين آخر فيلزم التسلسل وهو محال ، ويلزم منه استحالة تكون ( العالم ) مع أنه مشاهد ، وإما بدونه فيستغني الحادث عن المحدث والأحداث ، وفيه تعطيل الصانع .

( الرابع ) أنه لو حدث لحدث إما في ذاته تعالى ؛ فيصير محلا للحوادث أو في غيره ، كما ذهب إليه أبو الهذيل من أن تكوين كل جسم قائم به فيكون كل جسم خالقا ومكونا لنفسه ، ولا خفاء في استحالته . ومبنى هذه الأدلة على أن التكوين صفة حقيقية كالعلم والقدرة

قال : والمحققون من المتكلمين على أنه من الإضافات والاعتبارات العقلية ، مثل كون الصانع تعالى وتقدس قبل كل شيء ومعه وبعده ، ومذكورا بألسنتنا ، ومعبودا لنا ، ومميتا ومحييا ونحو ذلك .

قال : والحاصل في الأزل هو مبدأ التخليق والترزيق والإماتة والإحياء ، وغير ذلك ، ولا دليل على كونه صفة أخرى سوى القدرة والإرادة ، ( فإن القدرة ) وإن كانت نسبتها إلى وجود المكون وعدمه على السواء ، لكن مع انضمام الإرادة بتخصيص أحد الجانبين .

قال : ولما استدل القائلون بحدوث التكوين بأنه لا يتصور بدون المكون كالضرب بدون المضروب ، فلو كان قديما لزم قدم المكونات وهو محال .

أشار النسفي إلى الجواب بقوله وهو أي التكوين تكوينه للعالم ولكل جزء من أجزائه ، لا في الأزل بل لوقت وجوده على حسب علمه وإرادته ، فالتكوين باق أزلا [ ص: 254 ] وأبدا ، والمكون حادث بحدوث التعلق كما في الحلم والقدرة وغيرهما من الصفات القديمة التي لا يلزم من قدمها قدم متعلقاتها لكون تعلقاتها حادثة ، وهذا تحقيق ما يقال إن وجود العالم إن لم يتعلق بذات الله تعالى أو صفة من صفاته ، لزم تعطيل الصانع واستغناء الحوادث عن الموجد ، وهو محال ، وإن تعلق فإما أن يستلزم ذلك قدم ما يتعلق وجوده به فيلزم قدم العالم وهو باطل ، أو لا فليكن التكوين أيضا قديما مع حدوث المكون المتعلق به .

وما يقال من أن القول بتعلق وجود المكون بالتكوين قول بحدوثه ، إذ القديم ما لا يتعلق وجوده بالغير ، والحادث ما يتعلق به فمنظور فيه لأن هذا معنى القديم والحادث بالذات على ما يقول به الفلاسفة .

وأما عند المتكلمين ، فالحادث ما لوجوده بداية أي يكون مسبوقا بالعدم والقديم بخلافه ، ومجرد تعلق وجوده بالغير لا يستلزم حدوثه بهذا المعنى ، لجواز أن يكون محتاجا إلى الغير ، صادرا عنه ، دائما بدوامه ، كما ذهب إليه الفلاسفة فيما ادعوا قدمه من الممكنات كالهيولى مثلا ، نعم إذا أثبتنا صدور العالم من الصانع بالاختيار دون الإيجاب بدليل لا يتوقف على حدوث العالم ، كان القول بتعلق وجوده بتكوين الله تعالى قولا بحدوثه .

ومن هنا يقال إن التنصيص على كل جزء من أجزاء العالم إشارة إلى الرد على زعم قدم بعض الأجزاء كالهيولى ، وإلا فهم إنما يقولون بقدمها بمعنى عدم المسبوقية بالعدم لا بمعنى عدم تكونه بالغير ، والحاصل أنا لا نسلم أنه لا يتصور التكوين بدون ( وجود ) المكون ، وأن وزانه معه وزان الضرب مع المضروب ، فإن الضرب صفة إضافية لا يتصور بدون المتضايفين أعني الضارب والمضروب ، وقد بينا أن التكوين صفة حقيقية هي مبدأ الإضافة التي هي إخراج المعدوم من العدم إلى الوجود لا عينها ، حتى لو كانت عينها على ما وقع في عبارة بعض المشايخ ، لكان القول بتحققها بدون المكون مكابرة وإنكارا للضرورة ، فلا يندفع بما يقال من أن الضرب مستحيل البقاء ، فلا بد لتعلقه بالمفعول ووصول الألم إليه من وجود المفعول معه ، إذ لو تأخر لانعدم كذا قيل .

وهذا بالنسبة لفعل المخلوق ، وهو بخلاف فعل الباري فإنه أزلي ( واجب ) الدوام يبقى إلى وقت وجود المفعول ، فالتكوين غير المكون عندنا ، لأن الفعل يغاير المفعول بالضرورة كالضرب مع المضروب [ ص: 255 ] والأكل مع المأكول ، ولأنه لو كان نفسه المكون لزم أن يكون المكون مكونا مخلوقا بنفسه ضرورة أنه مكون بالتكوين الذي هو عينه ، فيكون قديما مستغنيا عن الصانع ، وهو محال ، وأن لا يكون للخالق تعلق بالعالم سوى أنه أقدم منه وقادر عليه من غير صنع وتأثير فيه ضرورة تكونه بنفسه ، وهذا لا يوجب كونه خالقا والعالم مخلوقا ، فلا يصح القول بأنه خالق العالم وصانعه ، هذا خلف وأن لا يكون الله مكونا للأشياء ضرورة أنه لا معنى للمكون إلا من قام به التكوين ، والتكوين إذا كان عين المكون لا يكون قائما بذات الله تعالى ، وأن يصح القول بأن خالق سواد هذا الحجر أسود ، وهذا الحجر خالق السواد إذ لا معنى للخالق والأسود إلا من قام به الخلق والسواد ، وهما واحد فمحلهما واحد ، هذا كله تنبيه على كون الحكم بتغاير الفعل والمفعول ضروريا .

ثم قال السعد التفتازاني : وهذا - يعني إبطال القول بأن الفعل هو المفعول - لا يتم إلا بإثبات أن تكون الأشياء وصدورها عن الباري تعالى ، يتوقف على صفة حقيقية قائمة بالذات ، مغايرة للقدرة والإرادة .

قال : والتحقيق أن تعلق القدرة على وفق الإرادة بوجود المقدور لوقت وجوده إذا نسب إلى القدرة يسمى إيجابها له وإذا نسب إلى القادر يسمى الخلق والتكوين ونحو ذلك ، فحقيقته كون الذات بحيث تعلقت قدرته بوجود المقدور لوقته ، ثم يتحقق بحيث خصوصيات المقدورات خصوصيات الأفعال كالترزيق والتصوير والإحياء والإماتة ، وغير ذلك إلى ما لا يكاد يتناهى .

قال : وأما كون كل من ذلك صفة حقيقية أزلية ، فمما تفرد به بعض علماء ما وراء النهر ، وفيه تكثير للقدماء جدا وإن لم تكن متغايرة . قال : والأقرب ما ذهب إليه المحققون منهم ، وهو أن مرجع الكل إلى التكوين فإنه إن تعلق بالحياة سمي إحياء ، وبالموت إماتة ، وبالصورة تصويرا ، وبالرزق ترزيقا ، إلى غير ذلك فالكل تكوين ، وإنما الخصوص بخصوصية التعلقات ، انتهى .

ومراده بقوله مما تفرد به بعض علماء ما وراء النهر يعني علماء الكلام ، وإلا فهو مذهب السلف الذي لا يعدل عنه إلا إلى آراء متهافتة وتخيلات متفاوتة ونحاتة [ ص: 256 ] أذهان قد انحرفت عن جادة المأثور وزبالات أنظار قد انفلتت عن المنهج المشهور إلى التهافتات الفلسفية والتخيلات الكلامية ، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - في شرح ( العقائد الأصفهانية ) : الصواب أن الخلق غير المخلوق .

قال : والذين يقولون الخلق هو المخلوق قولهم فاسد وبين وجه فساده ، وذكر من الآيات القرآنية والأخبار النبوية الدالة على هذا الأصل شيئا كثيرا مثل ( كل يوم هو في شأن ) ، ( اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم ) وقوله ( إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ) ، فأخبر أن طاعته سبب لمحبته ورضاه ومعصيته سبب لسخطه وغضبه ، وقال تعالى ( فاذكروني أذكركم ) ، وجواب الشرط مع الشرط كالمسبب مع سببه .

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى أنه قال : من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ، ذكرته في ملأ خير منه ، ومن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة " ، وفي الصحيحين وغيرهما " لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن ممن أضل راحلته بأرض دوية مهلكة عليها طعامه وشرابه ، فنام تحت شجرة ينتظر الموت ، فلما استيقظ ، إذا هو بدابته عليها طعامه وشرابه ، فالله أشد فرحا بتوبة عبده من هذا براحلته " .

وفي الصحيح " يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة " ، وفي الصحاح والسنن والمسانيد من هذا شيء كثير يتعذر أو يتعسر إحصاؤه ، وقد ذكر من ذلك شيئا كثيرا . ثم قال : وبهذا الأصل العظيم الذي دلت عليه الكتب المنزلة من الله تعالى ، القرآن والتوراة والإنجيل ، وكان عليه سلف الأمة وأئمتها ، بل وعليه جماهير العقلاء وأكابرهم من جميع الطوائف حتى من الفلاسفة ، يظهر بطلان مذهب القائلين بالقدماء الخمسة .

قال شيخ الإسلام : وهذا المذهب منسوب إلى ديمقراطيس ، وهي العلة والنفس والهيولى - وهي في لغتهم بمعنى المحل - والخلاء والدهر فزعم هؤلاء ومن وافقهم بأن هذه الخمسة قديمة أزلية ، وأن سبب حدوث العالم أن النفس التفتت إلى الهيولى وامتنع على الرب تخليصها أو رأى أنه لا يخلصها ( حتى تذوق ) [ ص: 257 ] مرارة تعلقها بالهيولى ثم يخلصها ، أو لتستفيد بذلك كمالات ، ثم يخلصها بعد ذلك ، قال : ولهذا يقول محمد بن زكريا الرازي - من فلاسفة الإسلام - : لا لذة إلا عدم الألم ، وغاية سعادة النفس خلاصها من الألم الحاصل بتعلقها بالهيولى .

وأبو عبد الله بن الخطيب الرازي - يعني الفخر - وبعض من يأتم به يرجحون القول ، وبه يجيب هؤلاء عن الحجة المشهورة للفلاسفة ويسمونه - الجواب الباهر - قال في محصله - وذكر ما هو شبيه بالخرافة وهو بمعزل عن كلام أهل الشرائع والدين والنبوات ومناهج المرسلين .

قال شيخ الإسلام - روح الله روحه - وهذا المذهب من أفسد مذاهب العالم ، قال : وهو يشبه من بعض الوجوه مذهب المجوس القائلين بالأصلين القديمين ، النور والظلمة ، قال : والرسل عليهم السلام وأتباعهم أهل الملل متفقون على أن الله تعالى خالق لكل ما سواه فليس معه شيء قديم بقدمه لا نفس ولا عقل ولا غير ذلك من الأعيان ، سواء سمي خلاء أو دهرا أو غير ذلك ، وبالله التوفيق .

ولما كان أهل الملة مختلفة فمنهم ، من نفى الصفات من أصلها وأثبت الأسماء ، وهم المعتزلة ، ومنهم من نفى الصفات الخبرية والأفعال الاختيارية أن تقوم بذاته تعالى ، وأثبت السبع الصفات كالأشعرية ، ومن وافقهم ، وكان مذهب السلف وسائر الأئمة وجمهور الأمة إثبات الصفات الذاتية والأسماء الحسنى والصفات الخبرية وصفات الأفعال الاختيارية لله تعالى حثك على الاتباع لسلف الأمة ، وحذرك من الابتداع ومخالفة السنة وأعيان الأئمة ، فقال ( فاحذر من النزول ) من ذروة الإيمان ، وسنام الدين والإيقان ، وأوج الرفعة والعرفان إلى حضيض الابتداع وقاذورات الاختراع ، فإن السلامة كل السلامة في اتباع الرعيل الأول ، والسرب الذي عليه المعول لا ما ابتدعته فروخ الجهمية وانتحلته أساطين الفلاسفة من فرق المشائية والإشراقية .

التالي السابق


الخدمات العلمية