الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فرع ) وأما دخول الحمام فوقع فيه اختلاف في الروايات وفتاوى الشيوخ والذي حصله ابن رشد في جامع المقدمات وتبعه عليه المتأخرون ابن شاس والقرافي وابن ناجي والقلشاني وغيرهم أن دخوله للرجل على ثلاثة أقسام : الأول إذا كان خاليا قال ابن ناجي أو مع زوجته أو جاريته فهو جائز بلا كراهة . الثاني إذا كان غير مستتر أو معه من لا يستتر فقال في المقدمات لا يحل ذلك ولا يجوز ومن فعله كان جرحة في حقه .

                                                                                                                            وقال في كتاب الطهارة من البيان : وذلك جرحة في دينه وقدح في شهادته وقال في الجواهر : لا خلاف في تحريم دخوله مع من لا يستتر بل قال ابن القاسم : الظاهر أن من لم يجد سوى مائه ولا يتمكن منه إلا بدخوله ومن فيه على ما ذكر كالعادم للماء إلا أن يدخله غاضا بصره لإخراجه لا لمقامه فيه إذ لا يكاد يسلم من ذلك انتهى . فعلى قوله إذا تعذر عليه إخراجه صار عادما للماء والله - تعالى - أعلم .

                                                                                                                            ( الثالث ) إذا كان مستورا مع مستورين [ ص: 81 ] فقال في المقدمات قال ابن القاسم في رواية أصبغ من جامع العتبية : لا بأس به وتركه أحسن وقال مالك في سماع أشهب من كتاب الطهارة : وقد سئل عن الغسل بالماء المسخن فيه والله ما دخوله بصواب فكيف يغسل من ذلك الماء ووجه كراهة ذلك وإن كان مستترا مع مستورين مخافة أن يطلع على عورة أحد من غير قصد إذ لا يكاد يسلم من ذلك من دخله مع الناس وقال في كتاب الطهارة من البيان : وأما كراهة الاغتسال من مائه فلأنه يسخن بالأقذار والنجاسات ولاختلاف الأيدي فربما تناول أخذه بيده من لا يتحفظ لدينه .

                                                                                                                            وقال قبله في سماع ابن القاسم سئل مالك عن الرجل يدخل يديه في حوض الحمام وهو ملآن يجزئه في طهارته ؟ قال : نعم إذا كان طاهرا يريد بذلك الرجل والماء جميعا وقال ابن رشد أنه يجزئه الغسل بالشرطين جميعا لا أنه يبيح ذلك ابتداء لوجهين : ( الأول ) الاغتسال في الماء الدائم ، ( والثاني ) كراهة الاغتسال بالماء المسخن .

                                                                                                                            وقال ابن ناجي في القسم الثاني هو مكروه وقيل جائز وعلى القول بالجواز يصح بعشرة شروط ذكرها ابن شاس أن لا يدخل إلا بنية التداوي أو التطهر وأن يقصد أوقات الخلوة وقلة الناس وأن يستر عورته بإزار صفيق وأن يطرح بصره إلى الأرض أو يستقبل الحائط لئلا يقع بصره على محظور وأن يغير ما يرى من منكر برفق بقوله : استتر سترك الله وأن لا يمكن أحدا من عورته أن يدلكها وهي من سرته إلى ركبته وقد اختلف في الفخذين هل هما عورة أم لا وأن يدخل بأجرة معلومة بشرط أو عادة وأن يصب من الماء بقدر الحاجة وأن يتذكر عذاب جهنم فإن لم يقدر على دخوله وحده اتفق مع قوم يحفظون أديانهم على كرائه فإن لم يمكنه ذلك فليجتهد في غض البصر .

                                                                                                                            وإن حضر وقت صلاة فيه استتر وصلى في موضع طاهر انتهى هذه آداب منها واجب ومنها مندوب والله - تعالى - أعلم . وذكر ذلك في المدخل وقال فيه : وقد قال علماؤنا أنه لا يجوز أن يجتمع مستور العورة مع مكشوف العورة تحت سقف واحد ثم قال : وقد ذكر بعض الناس أنه يجوز دخول الحمام وإن كان فيه من هو مكشوف العورة ويصون نظره وسمعه كما أنه يجوز له الاغتسال في النهر وإن كان يجد فيه ذلك وكما يجوز له دخول المساجد وفيها ما فيها وهذا الذي ذكره محمول على زمانه وأما زماننا فمعاذ الله أن يجيزه هو أو غيره والغالب في هذا الوقت أن شاطئ النهر فيه من كشف العورة مثل ما في الحمامات وكذلك الفساقي التي في المياضي والرباطات إذ أنها محل كشف العورات وما أتى عن بعض المتأخرين إلا أنهم يحملون ألفاظ العلماء على عرفهم وزمانهم وليس كذلك بل يختص كل زمان بعادته وعرفه والله - تعالى - أعلم انتهى .

                                                                                                                            وذكر البرزلي في مسائل الغسل أن الغسل بالماء البارد في زمان الدفاء أفضل من الحمام لأن مالكا كرهه وأما زمن البرد فدخول الحمام أفضل خشية أن يضره الماء البارد انتهى ، وهذا في غير الوجه الممنوع والله أعلم .

                                                                                                                            وأما دخول النساء فقال في المقدمات : الذي يوجبه النظر أنهن بمنزلة الرجال ثم ذكر قول الشيخ في الرسالة ولا تدخله امرأة إلا من علة وقول عبد الوهاب في شرحها هذا لما روي أن الحمام محرم على النساء وبحث في ذلك ثم قال : فدخول النساء الحمامات مكروه غير محرم عليهن ثم ذكر عن عائشة رضي الله عنها أنها دخلت في حال المرض وقال : لو كان حراما عليهن لما جاز في المرض فهو لهن في المرض جائز ومع الصحة مكروه وإذا كن مستترات مؤتزرات انتهى باختصار . ونحوه في سماع أصبغ من كتاب الجامع وحاصله أن كراهته لهن لغير علة إذا كن مستترات أشد من كراهته للرجال لأنه جزم بها في حقهن وإنما بحث في نفي التحريم عنه كما قاله جماعة وأما في الرجال فقال : تركه أحسن وفسر [ ص: 82 ] الشراح قول الرسالة من علته بالمرض والحيض والنفاس وقابلوه بمجرد النظافة وقال البرزلي وقد ذاع أن النساء لا يستترن إلا القليل وذلك القليل يرى عورة غيره فأراه اليوم مجمعا على تحريمه إلا أن يخلو لها أو تكون مع من يجوز له الاطلاع عليها .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية