الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم

                                                                                                                                                                                                                                      114 - ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه موضع "من" رفع على الابتداء، وهو استفهام، و " أظلم " خبره. والمعنى: أي أحد أظلم. و " أن يذكر " ثاني مفعولي منع; لأنك تقول: منعته كذا، ومثله وما منعنا أن نرسل بالآيات [الإسراء: 59] وما منع الناس أن يؤمنوا [الإسراء: 94]. ويجوز أن يحذف حرف الجر مع أن، أي: من أن يذكر، وأن تنصبه مفعولا له، بمعنى: منعها كراهة أن يذكر، وهو حكم عام لجنس مساجد الله، وأن مانعها من ذكر الله مفرط في الظلم، والسبب فيه طرح النصارى في بيت المقدس الأذى، ومنعهم الناس أن يصلوا فيه، أو منع المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل المسجد الحرام عام الحديبية، وإنما قيل: مساجد الله وكان المنع على مسجد واحد، وهو بيت المقدس، أو المسجد الحرام; لأن الحكم ورد عاما، وإن كان السبب خاصا، كقوله تعالى: ويل لكل همزة [الهمزة: 1] والمنزول فيه الأخنس بن شريق وسعى في خرابها بانقطاع الذكر. والمراد بـ "من" : العموم، كما أريد العموم بمساجد الله أولئك المانعون ما كان لهم أن يدخلوها أي: ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلا خائفين حال من الضمير في يدخلوها، أي: على حال التهيب، وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم، فضلا أن يستولوا عليها، ويلوها، ويمنعوا المؤمنين منها، والمعنى: ما كان الحق إلا ذلك لولا ظلم الكفرة وعتوهم، وقيل: ما كان لهم في حكم الله يعني: أن الله قد حكم وكتب في اللوح أنه ينصر المؤمنين ويقويهم حتى لا يدخلوها إلا خائفين.روي أنه لا يدخل بيت المقدس أحد من النصارى إلا متنكرا خيفة أن يقتل، وقال قتادة: لا يوجد نصراني في بيت المقدس إلا بولغ ضربا، ونادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا لا يحجن بعد هذا العام [ ص: 123 ] مشرك". وقيل: معناه: النهي عن تمكينهم من الدخول والتخلية بينهم وبينه، كقوله تعالى: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله [الأحزاب: 53] لهم في الدنيا خزي قتل وسبي للحربي، وذلة بضرب الجزية للذمي ولهم في الآخرة عذاب عظيم أي: النار.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية