[ ص: 133 ] أبواب السواك وسنن الفطرة باب الحث على السواك وذكر ما يتأكد عنده
118 - ( عن رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { عائشة } . رواه السواك مطهرة للفم مرضاة للرب أحمد وهو والنسائي تعليق ) . للبخاري
- باب الحث على السواك وذكر ما يتأكد عنده
- باب تسوك المتوضئ بأصبعه عند المضمضة
- باب السواك للصائم
- باب سنن الفطرة
- باب الختان
- باب أخذ الشارب وإعفاء اللحية
- باب كراهة نتف الشيب
- باب تغيير الشيب بالحناء والكتم ونحوهما وكراهة السواد
- باب جواز اتخاذ الشعر وإكرامه واستحباب تقصيره
- باب ما جاء في كراهية القزع والرخصة في حلق الرأس
- باب الإطلاء بالنورة
التالي
السابق
وأخرجه أيضا موصولا من حديث ابن حبان عبد الرحمن بن أبي عتيق سمعت أبي سمعت بهذا ، قال عائشة ابن حبان : أبو عتيق هذا هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة . وقال الحافظ : إنما هو من رواية ابنه عبد الله عنها قال : ورواه عن أحمد بن حنبل عبد الله عنها ، وقد طول الكلام عليه في التلخيص .
قوله : ( أبواب السواك وسنن الفطرة ) قال أهل اللغة : السواك بكسر السين وهو يطلق على الفعل ، وعلى العود الذي يتسوك به وهو مذكر . قال : وتؤنثه العرب ، قال الليث الأزهري : هذا من أغاليط القبيحة . وذكر صاحب المحكم أنه يؤنث ويذكر ، والسواك فعلك بالمسواك ، ويقال : ساك فمه يسوكه سوكا فإن قلت : استاك لم تذكر الفم . وجمع السواك : سوك بضمتين ككتاب وكتب وذكر صاحب المحكم أنه يجوز سؤك بالهمزة ، قال الليث النووي ثم قيل : إن السواك مأخوذ من ساك إذا أدلك . وقيل : من جاءت الإبل تستاك أي تتمايل هزالا . وهو في اصطلاح العلماء : استعمال عود أو نحوه في الأسنان ليذهب الصفرة وغيرها عنها . وأما الفطرة فقد اختلف العلماء في المراد بها ههنا ، قال ذهب أكثر العلماء إلى أنها السنة ، وكذا ذكر جماعة غير الخطابي . الخطابي
وقيل : هي الدين ، حكاه في الفتح عن طائفة من العلماء وبه جزم أبو نعيم في المستخرج . وقال الراغب : أصل الفطرة الشق طولا ويطلق على الوهي وعلى الاختراع . وقال أبو شامة أصل الفطرة الخلقة المبتدأة ومنه - { فاطر السموات والأرض } - أي مبتدئ خلقهن ، والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم : { } أي على ما ابتدأ الله خلقه عليه وفيه إشارة إلى قوله تعالى: { كل مولود يولد على الفطرة فطرة الله التي فطر الناس عليها } والمعنى أن كل أحد لو ترك في وقت ولادته وما يؤديه إليه نظره لأداه إلى الدين الحق وهو التوحيد . ويؤيده أيضا قوله تعالى: { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله } وإليه يشير في بقية الحديث حيث عقبه بقوله : ( فأبواه يهودانه أو ينصرانه ) .
والحديث يدل على لأنه سبب لتطهير الفم وموجب لرضا الله على فاعله ، وقد أطلق فيه السواك ولم يخصه بوقت معين ولا بحالة مخصوصة فأشعر بمطلق شرعيته [ ص: 134 ] وهو من السنن المؤكدة وليس بواجب في حال من الأحوال لما سيأتي في حديث مشروعية السواك : { أبي هريرة } ونحوه . لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك
قال النووي بإجماع من يعتد به في الإجماع ، وحكى أبو حامد الإسفرايني عن أنه أوجبه في الصلاة وحكى داود الظاهري الماوردي عنه أنه واجب لا تبطل الصلاة بتركه ، وحكي عن إسحاق بن راهويه أنه واجب تبطل الصلاة بتركه عمدا . قال النووي : وقد أنكر أصحابنا المتأخرون على الشيخ أبي حامد وغيره نقل الوجوب عن وقالوا : مذهبه أنه سنة كالجماعة ، ولو صح إيجابه عن داود لم يضر مخالفه في انعقاد الإجماع على المختار الذي عليه المحققون والأكثرون . قال : وأما داود إسحاق فلم يصح هذا المحكي عنه انتهى .
وعدم الاعتداد بخلاف مع علمه وورعه وأخذ جماعة من الأئمة الأكابر بمذهبه من التعصبات التي لا مستند لها إلا مجرد الهوى والعصبية ، وقد كثر هذا الجنس في أهل المذاهب وما أدري ما هو البرهان الذي قام لهؤلاء المحققين حتى أخرجوه من دائرة علماء المسلمين ، فإن كان لما وقع منه من المقالات المستبعدة فهي بالنسبة إلى مقالات غيره المؤسسة على محض الرأي المضادة لصريح الرواية في حيز القلة المتبالغة فإن التعويل على الرأي وعدم الاعتناء بعلم الأدلة قد أفضى بقوم إلى التمذهب بمذاهب لا يوافق الشريعة منها إلا القليل النادر ، وأما داود فما في مذهبه من البدع التي أوقعه فيها تمسكه بالظاهر وحملوه عليه هي في غاية الندرة ولكن : لهوى النفوس سريرة لا تعلم قال داود النووي : والسواك مستحب في جميع الأوقات لكن في خمسة أوقات أشد استحبابا : أحدها : عند الصلاة سواء كان متطهرا بماء أو بتراب أو غير متطهر كمن لم يجد ماء ولا ترابا .
الثاني : عند الوضوء . الثالث : عند قراءة القرآن . الرابع : عند الاستيقاظ من النوم . الخامس : عند تغير الفم ، وتغيره يكون بأشياء منها ترك الأكل والشرب ومنها أكل ما له رائحة كريهة . ومنها طول السكوت ومنها كثرة الكلام . وقد قامت الأدلة على استحبابه في جميع هذه الحالات التي ذكرها وسيأتي ذكر بعضها في هذا الباب . قال : ومذهب أن السواك يكره للصائم بعد زوال الشمس لئلا تزول رائحة الخلوف المستحبة وسيأتي الكلام عليه في باب السواك للصائم إن شاء الله تعالى . الشافعي
ويستحب أن حصل السواك كالخرقة الخشنة والأشنان ، وللفقهاء في السواك آداب وهيئات لا ينبغي للفطن الاغترار بشيء منها إلا أن يكون موافقا لما ورد عن الشارع ، ولقد كرهوه في أوقات وعلى حالات حتى يكاد يفضي ذلك إلى ترك هذه السنة الجليلة وإطراحها وهي أمر من أمور الشريعة ظهر ظهور النهار ، وقبله من سكان البسيطة أهل الأنجاد والأغوار . يستاك بعود من أراك وبأي شيء استاك مما يزيل التغير
قوله : ( مطهرة للفم ) المطهرة [ ص: 135 ] بكسر الميم وتفتح قال في الديوان : الفتح أفصح .
119 - ( وعن زيد بن خالد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } . رواه لولا أن أشق على أمتي لأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل ولأمرتهم بالسواك عند كل صلاة أحمد والترمذي وصححه ) . الحديث رواه من حديث الحاكم بلفظ : { أبي هريرة } . لفرضت عليهم السواك مع الوضوء ولأخرت صلاة العشاء إلى نصف الليل
وروى الجملة الأولى ، ورواه النسائي العقيلي وأبو نعيم من طريق أخرى عن والبيهقي سعيد به . ورواه أبو داود بلفظ : { ومسلم } . ورواه أيضا لولا أن أشق على المؤمنين لأمرتهم بتأخير العشاء ، والسواك عند كل صلاة أبو داود عن زيد بن خالد باللفظ الذي في الكتاب . ورواه البزار من حديث وأحمد نحوه ، وروى الجملة الأولى أيضا علي الترمذي وأحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث وابن حبان . أبي هريرة
ولفظ الترمذي : " إلى ثلث الليل أو نصفه " ولفظ أحمد : " إلى ثلث الليل " ولم يشك ، وروى الجملة الثانية وابن حبان النسائي وأحمد من حديث وابن خزيمة وعلقها أبي هريرة وروى البخاري في صحيحه من حديث ابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { عائشة } وروى لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع الوضوء عند كل صلاة ابن أبي خيثمة في تاريخه بسند عن : { أم حبيبة } . لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضئون
والحديث يدل على ندبية لأن لولا لامتناع الثاني لوجود الأول ، فإذا ثبت وجود الأول ثبت امتناع الثاني وبقي الندب . ومحل الكلام على هذه الجملة الصلاة إن شاء الله تعالى . ويدل أيضا على ندبية السواك بمثل ما ذكرناه في صلاة العشاء ، ويرد على من قال : لا يستحب السواك للصلاة ، وقد نسبه في البحر إلى الأكثر ويرد مذهب تأخير العشاء إلى ثلث الليل الظاهرية القائلين بالوجوب إن صح عنهم وقد سبق كلام النووي في ذلك .
120 - ( وعن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } . رواه الجماعة ، وفي رواية لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة : { لأحمد } ، لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء تعليق : " لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء " . قال : ويروى نحوه عن وللبخاري جابر وزيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم ) . [ ص: 136 ] الحديث قال ابن منده : إسناده مجمع على صحته .
وقال النووي : غلط بعض الأئمة الكبار فزعم أن لم يخرجه وهو خطأ منه ، وقد أخرجه من حديث البخاري عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج وليس هو في الموطأ من هذا الوجه بل هو فيه عن أبي هريرة ابن شهاب عن حميد عن ، قال : { أبي هريرة } ولم يصرح برفعه . قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء : وحكمه الرفع ، وقد رواه ابن عبد البر عن الشافعي مرفوعا ، وفي الباب عن مالك زيد بن خالد عند الترمذي وأبي داود ، وعن عند علي ، وعن أحمد عند أم حبيبة أيضا ، وعن أحمد عبد الله بن عمرو وسهل بن سعد وجابر عند وأنس أبي نعيم . قال الحافظ : وإسناد بعضها حسن . وعن عند ابن الزبير ، وعن الطبراني ابن عمر عند وجعفر بن أبي طالب أيضا . الطبراني
والحديث يدل على أن السواك غير واجب ، وعلى شرعيته عند الوضوء وعند الصلاة لأنه إذا ذهب الوجوب بقي الندب كما تقدم وعلى أن الأمر للوجوب لأن كلمة لولا تدل على انتفاء الشيء لوجود غيره فيدل على انتفاء الأمر لوجود المشقة ، والمنفي لأجل المشقة إنما هو الوجوب لا الاستحباب ، فإن استحباب السواك ثابت عند كل صلاة فيقتضي ذلك أن الأمر للوجوب ، وفيه خلاف في الأصول على أقوال . ويدل الحديث أيضا على أن المندوب غير مأمور به لمثل ما ذكرناه ، وفيه أيضا خلاف في الأصول مشهور . ويدل أيضا على أن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يحكم بالاجتهاد ولا يتوقف حكمه على النص لجعله المشقة سببا لعدم الأمر منه ، ولو كان الأمر موقوفا على النص لكان سبب عدم الأمر منه عدم النص لا مجرد المشقة ، وفيه احتمال للبحث والتأويل كما قاله ابن دقيق العيد .
وهو أيضا يدل بعمومه على استحباب لأن الصلاتين الواقعتين بعده داخلتان تحت عموم الصلاة ، فلا تتم دعوى الكراهة إلا بدليل يخصص هذا العموم وسيأتي الكلام على ذلك . السواك للصائم بعد الزوال
121 - ( وعن المقدام بن شريح عن أبيه قال : { رضي الله عنها : بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته ؟ قالت : بالسواك لعائشة } . رواه الجماعة إلا قلت البخاري والترمذي ) . الحديث رواه في صحيحه . ابن حبان
وفيه بيان لعدم تقييده بوقت الصلاة والوضوء . [ ص: 137 ] فضيلة السواك في جميع الأوقات وشدة الاهتمام به وتكراره
122 - ( وعن قال : { حذيفة } . رواه الجماعة إلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك الترمذي ، والشوص : الدلك . عن وللنسائي قال : { حذيفة } ) . الحديث متفق عليه من حديث كنا نؤمر بالسواك إذا قمنا من الليل بلفظ : { حذيفة } . كان إذا قام من النوم يشوص فاه بالسواك
وفي لفظ : { مسلم } واستغرب كان إذا قام ليتهجد يشوص فاه بالسواك ابن منده هذه الزيادة ، وقد رواها من وجه آخر بلفظ : { الطبراني } ، ورواه أيضا كنا نؤمر بالسواك إذا قمنا من الليل كما في حديث الباب ورواه النسائي مسلم وأبو داود وابن ماجه من حديث والحاكم في قصة نومه عند النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ابن عباس } . فلما استيقظ من منامه أتى طهوره فأخذ سواكه فاستاك
وفي رواية أبي داود التصريح بتكرار ذلك .
وفي رواية { للطبراني } وفي رواية له عن كان يستاك من الليل مرتين أو ثلاثا { الفضل بن عباس } ورواه لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقوم إلى الصلاة بالليل إلا استن أبو داود من حديث بلفظ : { عائشة } . وصححه كان يوضع له سواكه ووضوؤه فإذا قام من الليل تخلى ثم استاك ابن منده ورواه ابن ماجه من وجه آخر عن والطبراني عنها ، وصححه ابن أبي مليكة الحاكم . ورواه وابن السكن أبو داود عن أيضا بلفظ : { عائشة } وفيه كان لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ . علي بن زيد
وفي الباب عن عند ابن عمر ، وعن أحمد عند معاوية وإسناده ضعيف . وعن الطبراني عند أنس وعن البيهقي عند أبي أيوب أبي نعيم ، قال الحافظ : وكلها ضعيفة .
قوله : ( يشوص ) بضم المعجمة وبسكون الواو ، وشاصه يشوصه وماصه يموصه إذا غسله ، والشوص بالفتح : الغسل والتنظيف ، كذا في الصحاح . وقيل : الغسل . وقيل : التنقية . وقيل : الدلك . وقيل : الإمرار على الأسنان من أسفل إلى فوق ، وعكسه فقال : هو دلك الأسنان بالسواك والأصابع عرضا . والحديث يدل على استحباب الخطابي لأنه مقتض لتغير الفم لما يتصاعد إليه من أبخرة المعدة ، والسواك ينظفه ولهذا أرشد إليه . وظاهر قوله من الليل ومن النوم العموم لجميع الأوقات . السواك عند القيام من النوم
قال ابن دقيق العيد : ويحتمل أن يخص بما إذا قام إلى الصلاة ، قال الحافظ : ويدل عليه رواية بلفظ : " إذا قام للتهجد " ، البخاري نحوه انتهى . فيحمل المطلق على المقيد ، ولكنه بعد معرفة أن العلة التنظيف لا يتم ذلك لأنه مندوب إليه في جميع الأحوال . [ ص: 138 ] ولمسلم
123 - ( وعن رضي الله عنها { عائشة } . رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرقد ليلا ولا نهارا فيستيقظ إلا تسوك أحمد وأبو داود ) . الحديث أخرجه أيضا وقد تقدم الكلام عليه وعلى فقهه في الذي قبله . ابن أبي شيبة
قوله : ( أبواب السواك وسنن الفطرة ) قال أهل اللغة : السواك بكسر السين وهو يطلق على الفعل ، وعلى العود الذي يتسوك به وهو مذكر . قال : وتؤنثه العرب ، قال الليث الأزهري : هذا من أغاليط القبيحة . وذكر صاحب المحكم أنه يؤنث ويذكر ، والسواك فعلك بالمسواك ، ويقال : ساك فمه يسوكه سوكا فإن قلت : استاك لم تذكر الفم . وجمع السواك : سوك بضمتين ككتاب وكتب وذكر صاحب المحكم أنه يجوز سؤك بالهمزة ، قال الليث النووي ثم قيل : إن السواك مأخوذ من ساك إذا أدلك . وقيل : من جاءت الإبل تستاك أي تتمايل هزالا . وهو في اصطلاح العلماء : استعمال عود أو نحوه في الأسنان ليذهب الصفرة وغيرها عنها . وأما الفطرة فقد اختلف العلماء في المراد بها ههنا ، قال ذهب أكثر العلماء إلى أنها السنة ، وكذا ذكر جماعة غير الخطابي . الخطابي
وقيل : هي الدين ، حكاه في الفتح عن طائفة من العلماء وبه جزم أبو نعيم في المستخرج . وقال الراغب : أصل الفطرة الشق طولا ويطلق على الوهي وعلى الاختراع . وقال أبو شامة أصل الفطرة الخلقة المبتدأة ومنه - { فاطر السموات والأرض } - أي مبتدئ خلقهن ، والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم : { } أي على ما ابتدأ الله خلقه عليه وفيه إشارة إلى قوله تعالى: { كل مولود يولد على الفطرة فطرة الله التي فطر الناس عليها } والمعنى أن كل أحد لو ترك في وقت ولادته وما يؤديه إليه نظره لأداه إلى الدين الحق وهو التوحيد . ويؤيده أيضا قوله تعالى: { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله } وإليه يشير في بقية الحديث حيث عقبه بقوله : ( فأبواه يهودانه أو ينصرانه ) .
والحديث يدل على لأنه سبب لتطهير الفم وموجب لرضا الله على فاعله ، وقد أطلق فيه السواك ولم يخصه بوقت معين ولا بحالة مخصوصة فأشعر بمطلق شرعيته [ ص: 134 ] وهو من السنن المؤكدة وليس بواجب في حال من الأحوال لما سيأتي في حديث مشروعية السواك : { أبي هريرة } ونحوه . لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك
قال النووي بإجماع من يعتد به في الإجماع ، وحكى أبو حامد الإسفرايني عن أنه أوجبه في الصلاة وحكى داود الظاهري الماوردي عنه أنه واجب لا تبطل الصلاة بتركه ، وحكي عن إسحاق بن راهويه أنه واجب تبطل الصلاة بتركه عمدا . قال النووي : وقد أنكر أصحابنا المتأخرون على الشيخ أبي حامد وغيره نقل الوجوب عن وقالوا : مذهبه أنه سنة كالجماعة ، ولو صح إيجابه عن داود لم يضر مخالفه في انعقاد الإجماع على المختار الذي عليه المحققون والأكثرون . قال : وأما داود إسحاق فلم يصح هذا المحكي عنه انتهى .
وعدم الاعتداد بخلاف مع علمه وورعه وأخذ جماعة من الأئمة الأكابر بمذهبه من التعصبات التي لا مستند لها إلا مجرد الهوى والعصبية ، وقد كثر هذا الجنس في أهل المذاهب وما أدري ما هو البرهان الذي قام لهؤلاء المحققين حتى أخرجوه من دائرة علماء المسلمين ، فإن كان لما وقع منه من المقالات المستبعدة فهي بالنسبة إلى مقالات غيره المؤسسة على محض الرأي المضادة لصريح الرواية في حيز القلة المتبالغة فإن التعويل على الرأي وعدم الاعتناء بعلم الأدلة قد أفضى بقوم إلى التمذهب بمذاهب لا يوافق الشريعة منها إلا القليل النادر ، وأما داود فما في مذهبه من البدع التي أوقعه فيها تمسكه بالظاهر وحملوه عليه هي في غاية الندرة ولكن : لهوى النفوس سريرة لا تعلم قال داود النووي : والسواك مستحب في جميع الأوقات لكن في خمسة أوقات أشد استحبابا : أحدها : عند الصلاة سواء كان متطهرا بماء أو بتراب أو غير متطهر كمن لم يجد ماء ولا ترابا .
الثاني : عند الوضوء . الثالث : عند قراءة القرآن . الرابع : عند الاستيقاظ من النوم . الخامس : عند تغير الفم ، وتغيره يكون بأشياء منها ترك الأكل والشرب ومنها أكل ما له رائحة كريهة . ومنها طول السكوت ومنها كثرة الكلام . وقد قامت الأدلة على استحبابه في جميع هذه الحالات التي ذكرها وسيأتي ذكر بعضها في هذا الباب . قال : ومذهب أن السواك يكره للصائم بعد زوال الشمس لئلا تزول رائحة الخلوف المستحبة وسيأتي الكلام عليه في باب السواك للصائم إن شاء الله تعالى . الشافعي
ويستحب أن حصل السواك كالخرقة الخشنة والأشنان ، وللفقهاء في السواك آداب وهيئات لا ينبغي للفطن الاغترار بشيء منها إلا أن يكون موافقا لما ورد عن الشارع ، ولقد كرهوه في أوقات وعلى حالات حتى يكاد يفضي ذلك إلى ترك هذه السنة الجليلة وإطراحها وهي أمر من أمور الشريعة ظهر ظهور النهار ، وقبله من سكان البسيطة أهل الأنجاد والأغوار . يستاك بعود من أراك وبأي شيء استاك مما يزيل التغير
قوله : ( مطهرة للفم ) المطهرة [ ص: 135 ] بكسر الميم وتفتح قال في الديوان : الفتح أفصح .
119 - ( وعن زيد بن خالد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } . رواه لولا أن أشق على أمتي لأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل ولأمرتهم بالسواك عند كل صلاة أحمد والترمذي وصححه ) . الحديث رواه من حديث الحاكم بلفظ : { أبي هريرة } . لفرضت عليهم السواك مع الوضوء ولأخرت صلاة العشاء إلى نصف الليل
وروى الجملة الأولى ، ورواه النسائي العقيلي وأبو نعيم من طريق أخرى عن والبيهقي سعيد به . ورواه أبو داود بلفظ : { ومسلم } . ورواه أيضا لولا أن أشق على المؤمنين لأمرتهم بتأخير العشاء ، والسواك عند كل صلاة أبو داود عن زيد بن خالد باللفظ الذي في الكتاب . ورواه البزار من حديث وأحمد نحوه ، وروى الجملة الأولى أيضا علي الترمذي وأحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث وابن حبان . أبي هريرة
ولفظ الترمذي : " إلى ثلث الليل أو نصفه " ولفظ أحمد : " إلى ثلث الليل " ولم يشك ، وروى الجملة الثانية وابن حبان النسائي وأحمد من حديث وابن خزيمة وعلقها أبي هريرة وروى البخاري في صحيحه من حديث ابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { عائشة } وروى لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع الوضوء عند كل صلاة ابن أبي خيثمة في تاريخه بسند عن : { أم حبيبة } . لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضئون
والحديث يدل على ندبية لأن لولا لامتناع الثاني لوجود الأول ، فإذا ثبت وجود الأول ثبت امتناع الثاني وبقي الندب . ومحل الكلام على هذه الجملة الصلاة إن شاء الله تعالى . ويدل أيضا على ندبية السواك بمثل ما ذكرناه في صلاة العشاء ، ويرد على من قال : لا يستحب السواك للصلاة ، وقد نسبه في البحر إلى الأكثر ويرد مذهب تأخير العشاء إلى ثلث الليل الظاهرية القائلين بالوجوب إن صح عنهم وقد سبق كلام النووي في ذلك .
120 - ( وعن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } . رواه الجماعة ، وفي رواية لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة : { لأحمد } ، لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء تعليق : " لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء " . قال : ويروى نحوه عن وللبخاري جابر وزيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم ) . [ ص: 136 ] الحديث قال ابن منده : إسناده مجمع على صحته .
وقال النووي : غلط بعض الأئمة الكبار فزعم أن لم يخرجه وهو خطأ منه ، وقد أخرجه من حديث البخاري عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج وليس هو في الموطأ من هذا الوجه بل هو فيه عن أبي هريرة ابن شهاب عن حميد عن ، قال : { أبي هريرة } ولم يصرح برفعه . قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء : وحكمه الرفع ، وقد رواه ابن عبد البر عن الشافعي مرفوعا ، وفي الباب عن مالك زيد بن خالد عند الترمذي وأبي داود ، وعن عند علي ، وعن أحمد عند أم حبيبة أيضا ، وعن أحمد عبد الله بن عمرو وسهل بن سعد وجابر عند وأنس أبي نعيم . قال الحافظ : وإسناد بعضها حسن . وعن عند ابن الزبير ، وعن الطبراني ابن عمر عند وجعفر بن أبي طالب أيضا . الطبراني
والحديث يدل على أن السواك غير واجب ، وعلى شرعيته عند الوضوء وعند الصلاة لأنه إذا ذهب الوجوب بقي الندب كما تقدم وعلى أن الأمر للوجوب لأن كلمة لولا تدل على انتفاء الشيء لوجود غيره فيدل على انتفاء الأمر لوجود المشقة ، والمنفي لأجل المشقة إنما هو الوجوب لا الاستحباب ، فإن استحباب السواك ثابت عند كل صلاة فيقتضي ذلك أن الأمر للوجوب ، وفيه خلاف في الأصول على أقوال . ويدل الحديث أيضا على أن المندوب غير مأمور به لمثل ما ذكرناه ، وفيه أيضا خلاف في الأصول مشهور . ويدل أيضا على أن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يحكم بالاجتهاد ولا يتوقف حكمه على النص لجعله المشقة سببا لعدم الأمر منه ، ولو كان الأمر موقوفا على النص لكان سبب عدم الأمر منه عدم النص لا مجرد المشقة ، وفيه احتمال للبحث والتأويل كما قاله ابن دقيق العيد .
وهو أيضا يدل بعمومه على استحباب لأن الصلاتين الواقعتين بعده داخلتان تحت عموم الصلاة ، فلا تتم دعوى الكراهة إلا بدليل يخصص هذا العموم وسيأتي الكلام على ذلك . السواك للصائم بعد الزوال
121 - ( وعن المقدام بن شريح عن أبيه قال : { رضي الله عنها : بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته ؟ قالت : بالسواك لعائشة } . رواه الجماعة إلا قلت البخاري والترمذي ) . الحديث رواه في صحيحه . ابن حبان
وفيه بيان لعدم تقييده بوقت الصلاة والوضوء . [ ص: 137 ] فضيلة السواك في جميع الأوقات وشدة الاهتمام به وتكراره
122 - ( وعن قال : { حذيفة } . رواه الجماعة إلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك الترمذي ، والشوص : الدلك . عن وللنسائي قال : { حذيفة } ) . الحديث متفق عليه من حديث كنا نؤمر بالسواك إذا قمنا من الليل بلفظ : { حذيفة } . كان إذا قام من النوم يشوص فاه بالسواك
وفي لفظ : { مسلم } واستغرب كان إذا قام ليتهجد يشوص فاه بالسواك ابن منده هذه الزيادة ، وقد رواها من وجه آخر بلفظ : { الطبراني } ، ورواه أيضا كنا نؤمر بالسواك إذا قمنا من الليل كما في حديث الباب ورواه النسائي مسلم وأبو داود وابن ماجه من حديث والحاكم في قصة نومه عند النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ابن عباس } . فلما استيقظ من منامه أتى طهوره فأخذ سواكه فاستاك
وفي رواية أبي داود التصريح بتكرار ذلك .
وفي رواية { للطبراني } وفي رواية له عن كان يستاك من الليل مرتين أو ثلاثا { الفضل بن عباس } ورواه لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقوم إلى الصلاة بالليل إلا استن أبو داود من حديث بلفظ : { عائشة } . وصححه كان يوضع له سواكه ووضوؤه فإذا قام من الليل تخلى ثم استاك ابن منده ورواه ابن ماجه من وجه آخر عن والطبراني عنها ، وصححه ابن أبي مليكة الحاكم . ورواه وابن السكن أبو داود عن أيضا بلفظ : { عائشة } وفيه كان لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ . علي بن زيد
وفي الباب عن عند ابن عمر ، وعن أحمد عند معاوية وإسناده ضعيف . وعن الطبراني عند أنس وعن البيهقي عند أبي أيوب أبي نعيم ، قال الحافظ : وكلها ضعيفة .
قوله : ( يشوص ) بضم المعجمة وبسكون الواو ، وشاصه يشوصه وماصه يموصه إذا غسله ، والشوص بالفتح : الغسل والتنظيف ، كذا في الصحاح . وقيل : الغسل . وقيل : التنقية . وقيل : الدلك . وقيل : الإمرار على الأسنان من أسفل إلى فوق ، وعكسه فقال : هو دلك الأسنان بالسواك والأصابع عرضا . والحديث يدل على استحباب الخطابي لأنه مقتض لتغير الفم لما يتصاعد إليه من أبخرة المعدة ، والسواك ينظفه ولهذا أرشد إليه . وظاهر قوله من الليل ومن النوم العموم لجميع الأوقات . السواك عند القيام من النوم
قال ابن دقيق العيد : ويحتمل أن يخص بما إذا قام إلى الصلاة ، قال الحافظ : ويدل عليه رواية بلفظ : " إذا قام للتهجد " ، البخاري نحوه انتهى . فيحمل المطلق على المقيد ، ولكنه بعد معرفة أن العلة التنظيف لا يتم ذلك لأنه مندوب إليه في جميع الأحوال . [ ص: 138 ] ولمسلم
123 - ( وعن رضي الله عنها { عائشة } . رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرقد ليلا ولا نهارا فيستيقظ إلا تسوك أحمد وأبو داود ) . الحديث أخرجه أيضا وقد تقدم الكلام عليه وعلى فقهه في الذي قبله . ابن أبي شيبة