الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى : ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله يحتمل وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : برحمة الله لكم في خلاصكم منه .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : بنعمة الله عليكم في فائدتكم منه .

                                                                                                                                                                                                                                        ليريكم من آياته فيه ثلاثة تأويلات :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : يعني جري السفن فيه ، قاله يحيى بن سلام ، وقال الحسن : مفتاح البحار السفن ، ومفتاح الأرض الطرق ، ومفتاح السماء الدعاء .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : ما تشاهدونه من قدرة الله فيه ، قاله ابن شجرة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : ما يرزقكم الله منه ، قاله النقاش .

                                                                                                                                                                                                                                        لكل صبار شكور فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : صبار على البلوى شكور على النعماء .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : صبار على الطاعة شكور على الجزاء .

                                                                                                                                                                                                                                        قال الشعبي : الصبر نصف الإيمان ، والشكر نصف الإيمان ، واليقين الإيمان كله ، ألم تر إلى قوله : إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور وإلى قوله : وفي الأرض آيات للموقنين

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى : وإذا غشيهم موج كالظلل فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : كالسحاب ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : كالجبال ، قاله الحسن ويحيى بن سلام . وفي تشبيهه بالظل وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : لسواده ، قاله أبو عبيدة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : لعظمه .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 348 ] دعوا الله مخلصين له الدين يعني موحدين له لا يدعون لخلاصهم سواه .

                                                                                                                                                                                                                                        فلما نجاهم إلى البر يعني من البحر .

                                                                                                                                                                                                                                        فمنهم مقتصد فيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : معناه عدل في العهد ، يفي في البر بما عاهد الله عليه في البحر ، قاله النقاش .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه المؤمن المتمسك بالتوحيد والطاعة ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أنه المقتصد في قوله وهو كافر ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنه الجاحد ، قاله عطية .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : وهو قول الجمهور أنه الغدار ، قال عمرو بن معدي كرب


                                                                                                                                                                                                                                        فإنك لو رأيت أبا عمير ملأت يديك من غدر وختر



                                                                                                                                                                                                                                        وجحد الآيات إنكار أعيانها والجحد بالآيات دلائلها .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية