الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ومن لم يستطع منكم طولا )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى : " الطول " الذي ذكره الله تعالى في هذه الآية .

فقال بعضهم : هو الفضل والمال والسعة .

ذكر من قال ذلك :

9049 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ومن لم يستطع منكم طولا ، قال : الغنى .

9050 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

9051 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ومن لم يستطع منكم طولا ، يقول : من لم يكن له سعة .

9052 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ومن لم يستطع منكم طولا ، يقول : من لم يستطع منكم سعة .

9053 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : [ ص: 183 ] حدثنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير قوله : ومن لم يستطع منكم طولا ، قال : الطول الغنى .

9054 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في قوله : ومن لم يستطع منكم طولا ، قال : الطول السعة .

9055 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ومن لم يستطع منكم طولا ، أما قوله : " طولا " فسعة من المال .

9056 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ومن لم يستطع منكم طولا ، الآية ، قال : " طولا " لا يجد ما ينكح به حرة .

وقال آخرون : معنى " الطول " في هذا الموضع : الهوى .

ذكر من قال ذلك :

9057 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني عبد الجبار بن عمر ، عن ربيعة : أنه قال في قوله الله : ومن لم يستطع منكم طولا قال : الطول الهوى . قال : ينكح الأمة إذا كان هواه فيها .

9058 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : كان ربيعة يلين فيه بعض التليين ، كان يقول : إذا خشي على نفسه إذا أحبها - أي الأمة - وإن كان يقدر على نكاح غيرها ، فإني أرى أن ينكحها .

[ ص: 184 ] 9059 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير ، عن جابر : أنه سئل عن الحر يتزوج الأمة ، فقال : إن كان ذا طول فلا . قيل : إن وقع حب الأمة في نفسه ؟ قال : إن خشي العنت فليتزوجها .

9060 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن عبيدة ، عن الشعبي قال : لا يتزوج الحر الأمة ، إلا أن لا يجد وكان إبراهيم يقول : لا بأس به .

9061 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا ابن جريج قال : سمعت عطاء يقول : لا نكره أن ينكح ذو اليسار اليوم الأمة ، إذا خشي أن يشقى بها .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب - قول من قال : معنى " الطول " في هذا الموضع ، السعة والغنى من المال ، لإجماع الجميع على أن الله تبارك وتعالى لم يحرم شيئا من الأشياء - سوى نكاح الإماء لواجد الطول إلى الحرة - فأحل ما حرم من ذلك عند غلبة المحرم عليه له ، لقضاء لذة . فإذ كان ذلك إجماعا من الجميع فيما عدا نكاح الإماء لواجد الطول ، فمثله في التحريم نكاح الإماء لواجد الطول لا يحل له من أجل غلبة هوى عنده فيها ، لأن ذلك - مع وجوده [ ص: 185 ] الطول إلى الحرة - منه قضاء لذة وشهوة ، وليس بموضع ضرورة ترفع برخصة ، كالميتة للمضطر الذي يخاف هلاك نفسه ، فيترخص في أكلها ليحيي بها نفسه ، وما أشبه ذلك من المحرمات اللواتي رخص الله لعباده في حال الضرورة والخوف على أنفسهم الهلاك منه - ما حرم عليهم منها في غيرها من الأحوال . ولم يرخص الله تبارك وتعالى لعبد في حرام لقضاء لذة . وفي إجماع الجميع على أن رجلا لو غلبه هوى امرأة حرة أو أمة ، أنها لا تحل له إلا بنكاح أو شراء على ما أذن الله به - ما يوضح فساد قول من قال : " معنى الطول في هذا الموضع : الهوى " وأجاز لواجد الطول لحرة نكاح الإماء .

فتأويل الآية إذ كان الأمر على ما وصفنا : ومن لم يجد منكم سعة من مال لنكاح الحرائر ، فلينكح مما ملكت أيمانكم .

وأصل " الطول " الإفضال : يقال منه : " طال عليه يطول طولا " في الإفضال و " طال يطول طولا " في الطول الذي هو خلاف القصر .

التالي السابق


الخدمات العلمية