الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب اليمين الغموس ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم دخلا مكرا وخيانة

                                                                                                                                                                                                        6298 حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا النضر أخبرنا شعبة حدثنا فراس قال سمعت الشعبي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        9933 قوله باب اليمين الغموس بفتح المعجمة وضم الميم الخفيفة وآخره مهملة قيل سميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار فهي فعول بمعنى فاعل وقيل الأصل في ذلك أنهم كانوا إذا أرادوا أن يتعاهدوا أحضروا جفنة فجعلوا فيها طيبا أو دما أو رمادا ثم يحلفون عندما يدخلون أيديهم فيها ليتم لهم بذلك المراد من تأكيد ما أرادوا فسميت تلك اليمين إذا غدر صاحبها غموسا لكونه بالغ في نقض العهد وكأنها على هذا مأخوذة من اليد المغموسة فيكون فعول بمعنى مفعولة . وقال ابن التين : اليمين الغموس التي ينغمس صاحبها في الإثم ولذلك قال مالك لا كفارة فيها واحتج أيضا بقوله - تعالى - ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ، وهذه يمين غير منعقدة ; لأن المنعقد ما يمكن حله ولا يتأتى في اليمين الغموس البر أصلا

                                                                                                                                                                                                        قوله ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها ] الآية كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة إلى عظيم .

                                                                                                                                                                                                        قوله دخلا مكرا وخيانة هو من تفسير قتادة وسعيد بن جبير أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال خيانة وغدرا وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير قال يعني مكرا وخديعة وقال الفراء : [ ص: 565 ] يعني خيانة وقال أبو عبيدة : الدخل كل أمر كان على فساد ; وقال الطبري : معنى الآية لا تجعلوا أيمانكم التي تحلفون بها على أنكم توفون بالعهد لمن عاهدتموه دخلا أي خديعة وغدرا ليطمئنوا إليكم وأنتم تضمرون لهم الغدر انتهى ومناسبة ذكر هذه الآية لليمين الغموس ورود الوعيد على من حلف كاذبا متعمدا

                                                                                                                                                                                                        " 9934 قوله : النضر ) بفتح النون وسكون المعجمة هو ابن شميل بالمعجمة مصغر ووقع منسوبا في رواية النسائي وأخرجه أبو نعيم في " المستخرج " من رواية جعفر بن إسماعيل عن محمد بن مقاتل شيخ البخاري فيه فقال " عن عبد الله بن المبارك عن شعبة " وكأن لابن مقاتل فيه شيخين إن كان حفظه وفراس بكسر الفاء وتخفيف الراء وآخره سين مهملة

                                                                                                                                                                                                        قوله عن عبد الله بن عمرو ) أي ابن العاص .

                                                                                                                                                                                                        قوله الكبائر الإشراك بالله في رواية شيبان عن فراس في أوله " جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله ما الكبائر " فذكره ولم أقف على اسم هذا الأعرابي

                                                                                                                                                                                                        قوله الكبائر الإشراك بالله إلخ ذكر هنا ثلاثة أشياء بعد الشرك وهو العقوق وقتل النفس واليمين الغموس ورواه غندر عن شعبة بلفظ الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين أو قال اليمين الغموس شك شعبة " أخرجه أحمد عنه هكذا وكذا أخرجه المصنف في أوائل الديات والترمذي جميعا عن بندار عن غندر وعلقه البخاري هناك ووصله الإسماعيلي من رواية معاذ بن معاذ عن شعبة بلفظ الكبائر الإشراك بالله واليمين الغموس وعقوق الوالدين أو قال قتل النفس ووقع في رواية شيبان التي أشرت إليها الإشراك بالله قال ثم ماذا قال ثم عقوق الوالدين ، قال ثم ماذا ؟ قال اليمين الغموس ولم يذكر قتل النفس وزاد في رواية شيبان قلت وما اليمين الغموس ؟ قال التي تقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كذب والقائل قلت هو عبد الله بن عمرو راوي الخبر والمجيب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويحتمل أن يكون السائل من دون عبد الله بن عمرو والمجيب هو عبد الله أو من دونه ويؤيد كونه مرفوعا حديث ابن مسعود والأشعث المذكور في الباب الذي بعده ثم وقفت على تعيين القائل " قلت وما اليمين الغموس " وعلى تعيين المسئول فوجدت الحديث في النوع الثالث من القسم الثاني من صحيح ابن حبان وهو قسم النواهي . وأخرجه عن النضر بن محمد عن محمد بن عثمان العجلي عن عبيد الله بن موسى بالسند الذي أخرجه به البخاري فقال في آخره بعد قوله ثم اليمين الغموس " قلت لعامر ما اليمين الغموس إلخ " فظهر أن السائل عن ذلك فراس والمسئول الشعبي وهو عامر فلله الحمد على ما أنعم ثم لله الحمد ثم لله الحمد فإني لم أر من تحرر له ذلك من الشراح حتى إن الإسماعيلي وأبا نعيم لم يخرجاه في هذا الباب من رواية شيبان بل اقتصر على رواية شعبة وسيأتي عد الكبائر وبيان الاختلاف في ذلك في كتاب الحدود في شرح حديث أبي هريرة اجتنبوا السبع الموبقات إن شاء الله - تعالى - وقد بينت ضابط الكبيرة والخلاف في ذلك وأن في الذنوب صغيرا وكبيرا وأكبر في أوائل كتاب الأدب وذكرت ما يدل على أن المراد بالكبائر في حديث الباب أكبر الكبائر وأنه ورد من وجه آخر عند أحمد عن عبد الله بن عمرو بلفظ " من أكبر الكبائر " وأن له شاهدا عند الترمذي عن عبد الله بن أنيس وذكر فيه اليمين الغموس أيضا . واستدل به الجمهور على أن اليمين الغموس لا كفارة فيها للاتفاق على أن الشرك والعقوق والقتل لا كفارة فيه وإنما كفارتها التوبة منها والتمكين من القصاص في القتل العمد فكذلك اليمين الغموس حكمها حكم [ ص: 566 ] ما ذكرت معه وأجيب بأن الاستدلال بذلك ضعيف ; لأن الجمع بين مختلف الأحكام جائز كقوله - تعالى - كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده والإيتاء واجب والأكل غير واجب ، وقد أخرج ابن الجوزي في " التحقيق " من طريق ابن شاهين بسنده إلى خالد بن معدان عن أبي المتوكل عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ليس فيها كفارة يمين صبر يقتطع بها مالا بغير حق وظاهر سنده الصحة لكنه معلول ; لأن فيه عنعنة بقية فقد أخرجه أحمد من هذا الوجه فقال في هذا السند عن المتوكل أو أبي المتوكل فظهر أنه ليس هو الناجي الثقة بل آخر مجهول وأيضا فالمتن مختصر ولفظه عند أحمد من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة الحديث وفيه وخمس ليس لها كفارة الشرك بالله " وذكر في آخرها : ويمين صابرة يقتطع بها مالا بغير حق ونقل محمد بن نصر في اختلاف العلماء ثم ابن المنذر ثم ابن عبد البر اتفاق الصحابة على أن لا كفارة في اليمين الغموس وروى آدم بن أبي إياس في مسند شعبة وإسماعيل القاضي في الأحكام عن ابن مسعود " كنا نعد الذنب الذي لا كفارة له اليمين الغموس أن يحلف الرجل على مال أخيه كاذبا ليقتطعه " قال ولا مخالف له من الصحابة واحتجوا بأنها أعظم من أن تكفر وأجاب من قال بالكفارة كالحكم وعطاء والأوزاعي ومعمر والشافعي بأنه أحوج للكفارة من غيره وبأن الكفارة لا تزيده إلا خيرا والذي يجب عليه الرجوع إلى الحق ورد المظلمة فإن لم يفعل كفر فالكفارة لا ترفع عنه حكم التعدي بل تنفعه في الجملة . وقد طعن ابن حزم في صحة الأثر عن ابن مسعود واحتج بإيجاب الكفارة فيمن تعمد الجماع في صوم رمضان وفيمن أفسد حجه ، قال ولعلهما أعظم إثما من بعض من حلف اليمين الغموس ثم قال وقد أوجب المالكية الكفارة على من حلف أن لا يزني ثم زنى ونحو ذلك ومن حجة الشافعي قوله في الحديث الماضي في أول كتاب الأيمان فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه فأمر من تعمد الحنث أن يكفر فيؤخذ منه مشروعية الكفارة لمن حلف حانثا .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية