[ ص: 29 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=107الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين
هذا كلام على فريق آخر من المؤاخذين بأعمال عملوها غضب الله عليهم من أجلها ، وهم فريق من المنافقين بنوا مسجدا حول
قباء لغرض سيء لينصرف إخوانهم عن مسجد المؤمنين وينفردوا معهم بمسجد يخصهم . فالجملة مستأنفة ابتدائية على قراءة من قرأها غير مفتتحة بواو العطف ، وهي قراءة
نافع وابن عامر وأبي جعفر . ونكتة الاستئناف هنا التنبيه على الاختلاف بين حال المراد بها وبين حال المراد بالجملة التي قبلها وهم المرجون لأمر الله . وقرأها البقية بواو العطف في أولها ، فتكون معطوفة على التي قبلها لأنها مثلها في ذكر فريق آخر مثل من ذكر فيما قبلها .
وعلى كلتا القراءتين فالكلام جملة إثر جملة وليس ما بعد الواو عطف مفرد .
وقوله : ( الذين ) مبتدأ وخبره جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لا تقم فيه أبدا كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي . والرابط هو الضمير المجرور من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لا تقم فيه لأن ذلك الضمير عائد إلى المسجد وهو مفعول صلة الموصول فهو سببي للمبتدأ ، إذ التقدير : لا تقم في مسجد اتخذوه ضرارا ، أو في مسجدهم ، كما قدره
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي . ومن أعربوا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=109أفمن أسس بنيانه خبرا فقد بعدوا عن المعنى .
والآية أشارت إلى قصة اتخاذ المنافقين مسجدا قرب مسجد قباء لقصد الضرار ، وهم طائفة من
بني غنم بن عوف وبني سالم بن عوف من أهل العوالي . كانوا اثني عشر رجلا سماهم
ابن عطية . وكان سبب بنائهم إياه أن
أبا عامر [ ص: 30 ] واسمه عبد عمرو ، ويلقب بالراهب من
بني غنم بن عوف كان قد تنصر في الجاهلية فلما جاء الإسلام كان من المنافقين . ثم جاهر بالعداوة وخرج في جماعة من المنافقين فحزب الأحزاب التي حاصرت
المدينة في وقعة
الخندق فلما هزمهم الله أقام
أبو عامر بمكة . ولما فتحت مكة هرب إلى الطائف ، فلما فتحت الطائف وأسلمت ثقيف خرج أبو عامر إلى الشام يستنصر بقيصر ، وكتب إلى المنافقين من قومه يأمرهم بأن يبنوا مسجدا ليخلصوا فيه بأنفسهم ، ويعدهم أنه سيأتي في جيش من الروم ويخرج المسلمين من
المدينة . فانتدب لذلك اثنا عشر رجلا من المنافقين بعضهم من
بني عمرو بن عوف وبعضهم من أحلافهم من
بني ضبيعة بن زيد وغيرهم ، فبنوه بجانب
مسجد قباء ، وذلك قبيل مخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى
تبوك . وأتوا النبيء - صلى الله عليه وسلم - وقالوا : بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة ونحن نحب أن تصلي لنا فيه ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني على جناح سفر وحال شغل وإذا قدمنا إن شاء الله صلينا فيه . فلما قفل من غزوة
تبوك سألوه أن يأتي مسجدهم فأنزل الله هذه الآية ، وحلفوا أنهم ما أرادوا به إلا خيرا .
والضرار : مصدر ( ضار ) مبالغة في ( ضر ) ، أي ضرارا لأهل الإسلام . والتفريق بين المؤمنين هو ما قصدوه من صرف
بني غنم وبني سالم عن
قباء .
والإرصاد : التهيئة . والمراد بمن حارب الله ورسوله
أبو عامر الراهب ; لأنه حارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الأحزاب وحاربه مع
ثقيف وهوازن ، فقوله : من قبل إشارة إلى ذلك ، أي من قبل بناء المسجد .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=107وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى معترضة ، أو في موضع الحال . والحسنى : الخير .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=107والله يشهد إنهم لكاذبون معترضة .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لا تقم فيه أبدا هي الخبر عن اسم الموصول كما قدمنا . والمراد بالقيام الصلاة لأن أولها قيام .
[ ص: 31 ] ووجه النهي عن الصلاة فيه أن صلاة النبيء - صلى الله عليه وسلم - فيه تكسبه يمنا وبركة فلا يرى المسلمون لمسجد قباء مزية عليه فيقتصر بنو غنم وبنو سالم على الصلاة فيه لقربه من منازلهم ، وبذلك يحصل غرض المنافقين من وضعه للتفريق بين جماعة المسلمين . فلما كانت صلاة النبيء - صلى الله عليه وسلم - فيه مفضية إلى ترويج مقصدهم الفاسد صار ذلك وسيلة إلى مفسدة فتوجه النهي إليه . وهذا لا يطلع على مثله إلا الله تعالى . وهذا النهي يعم جميع المسلمين لأنه لما نهي النبيء عن الصلاة فيه علم أن الله سلب عنه وصف المسجدية فصارت الصلاة فيه باطلة لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه ، ولذلك
أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر ووحشيا مولى المطعم بن عدي ومالك بن الدخشم nindex.php?page=showalam&ids=8131ومعن بن عدي فقال : انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وحرقوه ، ففعلوا . وتحريقه تحريق الأعواد التي يتخذ منها السقف ، والجذوع التي تجعل له أعمدة .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه احتراس مما يستلزمه النهي عن الصلاة فيه من إضاعة عبادة في الوقت الذي رغبوه للصلاة فيه فأمره الله بأن يصلي في ذلك الوقت الذي دعوه فيه للصلاة في مسجد الضرار أن يصلي في مسجده أو في مسجد قباء ، لئلا يكون لامتناعه من الصلاة من حظوظ الشيطان أن يكون صرفه عن صلاة في وقت دعي للصلاة فيه ، وهذا أدب نفساني عظيم .
وفيه أيضا دفع مكيدة المنافقين أن يطعنوا في الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه دعي إلى الصلاة في مسجدهم فامتنع ، فقوله : أحق وإن كان اسم تفضيل فهو مسلوب المفاضلة لأن النهي عن صلاته في مسجد الضرار أزال كونه حقيقا بصلاته فيه أصلا .
ولعل نكتة الإتيان باسم التفضيل أنه تهكم على المنافقين بمجازاتهم ظاهرا في دعوتهم النبيء - صلى الله عليه وسلم - للصلاة فيه بأنه وإن كان حقيقا بصلاته بمسجد أسس على التقوى أحق منه ، فيعرف من وصفه بأنه
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108أسس على التقوى أن هذا أسس على ضدها .
[ ص: 32 ] وثبت في صحيح
مسلم وغيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري nindex.php?page=hadith&LINKID=10341923أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - سئل عن المراد من nindex.php?page=treesubj&link=30695المسجد الذي أسس على التقوى في هذه الآية فقال : هو مسجدكم هذا . يعني المسجد النبوي
بالمدينة . وثبت في الصحيح أيضا
أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - بين الرجال الذين يحبون أن يتطهروا بأنهم بنو عمرو بن عوف أصحاب مسجد قباء . وذلك يقتضي أن المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم هو مسجدهم ، لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108فيه رجال
ووجه الجمع بين هذين عندي أن يكون المراد بقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لمسجد أسس على التقوى من أول يوم المسجد الذي هذه صفته لا مسجدا واحدا معينا ، فيكون هذا الوصف كليا انحصر في فردين
المسجد النبوي ومسجد قباء ، فأيهما صلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الوقت الذي دعوه فيه للصلاة في مسجد الضرار كان ذلك أحق وأجدر ، فيحصل النجاء من حظ الشيطان في الامتناع من الصلاة في مسجدهم ، ومن مطاعنهم أيضا ، ويحصل الجمع بين الحديثين الصحيحين . وقد كان قيام الرسول في المسجد النبوي هو دأبه .
ومن جليل المنازع من هذه الآية ما فيها من حجة لصحة آراء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جعلوا العام الذي كان فيه يوم الهجرة مبدأ التاريخ في الإسلام . وذلك ما انتزعه
السهيلي في الروض الأنف في فصل تأسيس
مسجد قباء إذ قال : وفي قوله سبحانه
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108من أول يوم ( وقد علم أنه ليس أول الأيام كلها ولا أضافه إلى شيء في اللفظ الظاهر فيه ) من الفقه صحة ما اتفق عليه الصحابة - رضوان الله عليهم - مع
عمر حين شاورهم في التاريخ ، فاتفق رأيهم أن يكون التاريخ من عام الهجرة ؛ لأنه الوقت الذي عز فيه الإسلام وأمن فيه النبيء - صلى الله عليه وسلم - فوافق هذا ظاهر التنزيل .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108فيه رجال يحبون أن يتطهروا ثناء على مؤمني الأنصار الذين يصلون
بمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وبمسجد قباء . وجاء الضمير مفردا مراعاة للفظ " مسجد " الذي هو جنس ، كالإفراد في قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119وتؤمنون بالكتاب كله [ ص: 33 ] وفيه تعريض بأن أهل مسجد الضرار ليسوا كذلك . وقد كان المؤمنون من
الأنصار يجمعون بين الاستجمار بالأحجار والغسل بالماء كما دل عليه حديث رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
أبي أيوب nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108فيه رجال يحبون أن يتطهروا فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341925يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم خيرا في الطهور فما طهوركم ؟ قالوا : إن أحدنا إذا خرج من الغائط أحب أن يستنجي بالماء . قال : هو ذلك فعليكموه ، فهذا يعم
الأنصار كلهم . ولا يعارضه حديث
أبي داود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل
أهل قباء عن طهارتهم لأن
أهل قباء هم أيضا من
الأنصار ، فسؤاله إياهم لتحقق اطراد هذا التطهر في
قبائل الأنصار .
وأطلقت المحبة في قوله : ( يحبون ) كناية عن عمل الشيء المحبوب لأن الذي يحب شيئا ممكنا يعمله لا محالة . فقصد التنويه بهم بأنهم يتطهرون تقربا إلى الله بالطهارة وإرضاء لمحبة نفوسهم إياها ، بحيث صارت الطهارة خلقا لهم فلو لم تجب عليهم لفعلوها من تلقاء أنفسهم .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108والله يحب المطهرين تذييل . وفيه إشارة إلى أن نفوسهم وافقت خلقا يحبه الله تعالى . وكفى بذلك تنويها بزكاء أنفسهم .
[ ص: 29 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=107الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنَّ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ
هَذَا كَلَامٌ عَلَى فَرِيقٍ آخَرَ مِنَ الْمُؤَاخَذِينَ بِأَعْمَالٍ عَمِلُوهَا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِهَا ، وَهُمْ فَرِيقٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بَنَوْا مَسْجِدًا حَوْلَ
قُبَاءَ لِغَرَضٍ سَيِّءٍ لِيَنْصَرِفَ إِخْوَانُهُمْ عَنْ مَسْجِدِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَنْفَرِدُوا مَعَهُمْ بِمَسْجِدٍ يَخُصُّهُمْ . فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا غَيْرَ مُفْتَتَحَةٍ بِوَاوِ الْعَطْفِ ، وَهِيَ قِرَاءَةُ
نَافِعٍ وَابْنِ عَامِرٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ . وَنُكْتَةُ الِاسْتِئْنَافِ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَ حَالِ الْمُرَادِ بِهَا وَبَيْنَ حَالِ الْمُرَادِ بِالْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَهُمُ الْمُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ . وَقَرَأَهَا الْبَقِيَّةُ بِوَاوِ الْعَطْفِ فِي أَوَّلِهَا ، فَتَكُونُ مَعْطُوفَةً عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّهَا مِثْلُهَا فِي ذِكْرِ فَرِيقٍ آخَرَ مِثْلِ مَنْ ذُكِرَ فِيمَا قَبْلَهَا .
وَعَلَى كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ فَالْكَلَامُ جُمْلَةٌ إِثْرَ جُمْلَةٍ وَلَيْسَ مَا بَعْدَ الْوَاوِ عَطْفَ مُفْرَدٍ .
وَقَوْلُهُ : ( الَّذِينَ ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا كَمَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ . وَالرَّابِطُ هُوَ الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لَا تَقُمْ فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَى الْمَسْجِدِ وَهُوَ مَفْعُولُ صِلَةِ الْمَوْصُولِ فَهُوَ سَبَبِيٌّ لِلْمُبْتَدَأِ ، إِذِ التَّقْدِيرُ : لَا تَقُمْ فِي مَسْجِدٍ اتَّخَذُوهُ ضِرَارًا ، أَوْ فِي مَسْجِدِهِمْ ، كَمَا قَدَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ . وَمَنْ أَعْرَبُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=109أَفَمَنْ أُسِّسَ بُنْيَانَهُ خَبَرًا فَقَدْ بَعُدُوا عَنِ الْمَعْنَى .
وَالْآيَةُ أَشَارَتْ إِلَى قِصَّةِ اتِّخَاذِ الْمُنَافِقِينَ مَسْجِدًا قُرْبَ مَسْجِدِ قُبَاءَ لِقَصْدِ الضِّرَارِ ، وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ
بَنِي غُنْمِ بْنِ عَوْفٍ وَبَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِي . كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا سَمَّاهُمُ
ابْنُ عَطِيَّةَ . وَكَانَ سَبَبُ بِنَائِهِمْ إِيَّاهُ أَنَّ
أَبَا عَامِرٍ [ ص: 30 ] وَاسْمُهُ عَبْدُ عَمْرٍو ، وَيُلَقَّبُ بِالرَّاهِبِ مِنْ
بَنِي غُنْمِ بْنِ عَوْفٍ كَانَ قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَانَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ . ثُمَّ جَاهَرَ بِالْعَدَاوَةِ وَخَرَجَ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فَحَزَّبَ الْأَحْزَابَ الَّتِي حَاصَرَتِ
الْمَدِينَةَ فِي وَقْعَةِ
الْخَنْدَقِ فَلَمَّا هَزَمَهُمُ اللَّهُ أَقَامَ
أَبُو عَامِرٍ بِمَكَّةَ . وَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ هَرَبَ إِلَى الطَّائِفِ ، فَلَمَّا فُتِحَتِ الطَّائِفُ وَأَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ خَرَجَ أَبُو عَامِرٍ إِلَى الشَّامِ يَسْتَنْصِرُ بِقَيْصَرَ ، وَكَتَبَ إِلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ قَوْمِهِ يَأْمُرُهُمْ بِأَنْ يَبْنُوا مَسْجِدًا لِيَخْلُصُوا فِيهِ بِأَنْفُسِهِمْ ، وَيَعِدُهُمْ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي جَيْشٍ مِنَ الرُّومِ وَيُخْرِجُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ
الْمَدِينَةِ . فَانْتُدِبَ لِذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ بَعْضُهُمْ مِنْ
بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَبَعْضُهُمْ مِنْ أَحْلَافِهِمْ مِنْ
بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ ، فَبَنَوْهُ بِجَانِبِ
مَسْجِدِ قُبَاءَ ، وَذَلِكَ قُبَيْلَ مَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى
تَبُوكَ . وَأَتَوُا النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا : بَنَيْنَا مَسْجِدًا لِذِي الْعِلَّةِ وَالْحَاجَةِ وَاللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَنَحْنُ نُحِبُّ أَنْ تُصَلِّيَ لَنَا فِيهِ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنِّي عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ وَحَالِ شُغْلٍ وَإِذَا قَدِمْنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَلَّيْنَا فِيهِ . فَلَمَّا قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ
تَبُوكَ سَأَلُوهُ أَنْ يَأْتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ ، وَحَلَفُوا أَنَّهُمْ مَا أَرَادُوا بِهِ إِلَّا خَيْرًا .
وَالضِّرَارُ : مَصْدَرُ ( ضَارَّ ) مُبَالَغَةٌ فِي ( ضَرَّ ) ، أَيْ ضِرَارًا لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ . وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ مَا قَصَدُوهُ مِنْ صَرْفِ
بَنِي غُنْمٍ وَبَنِي سَالِمٍ عَنْ
قُبَاءَ .
وَالْإِرْصَادُ : التَّهْيِئَةُ . وَالْمُرَادُ بِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
أَبُو عَامِرٍ الرَّاهِبُ ; لِأَنَّهُ حَارَبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ الْأَحْزَابِ وَحَارَبَهُ مَعَ
ثَقِيفٍ وَهَوَازِنَ ، فَقَوْلُهُ : مِنْ قَبْلُ إِشَارَةٌ إِلَى ذَلِكَ ، أَيْ مِنْ قَبْلِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=107وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى مُعْتَرِضَةٌ ، أَوْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ . وَالْحُسْنَى : الْخَيْرُ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=107وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ مُعْتَرِضَةٌ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا هِيَ الْخَبَرُ عَنِ اسْمِ الْمَوْصُولِ كَمَا قَدَّمْنَا . وَالْمُرَادُ بِالْقِيَامِ الصَّلَاةُ لِأَنَّ أَوَّلَهَا قِيَامٌ .
[ ص: 31 ] وَوَجْهُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ أَنَّ صَلَاةَ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ تُكْسِبُهُ يُمْنًا وَبَرَكَةً فَلَا يَرَى الْمُسْلِمُونَ لِمَسْجِدِ قُبَاءَ مَزِيَّةً عَلَيْهِ فَيَقْتَصِرُ بَنُو غُنْمٍ وَبَنُو سَالِمٍ عَلَى الصَّلَاةِ فِيهِ لِقُرْبِهِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ ، وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ غَرَضُ الْمُنَافِقِينَ مِنْ وَضْعِهِ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ . فَلَمَّا كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ مُفْضِيَةً إِلَى تَرْوِيجِ مَقْصِدِهِمُ الْفَاسِدِ صَارَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إِلَى مَفْسَدَةٍ فَتَوَجَّهَ النَّهْيُ إِلَيْهِ . وَهَذَا لَا يَطَّلِعُ عَلَى مِثْلِهِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى . وَهَذَا النَّهْيُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ لَمَّا نُهِيَ النَّبِيءُ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ سَلَبَ عَنْهُ وَصْفَ الْمَسْجِدِيَّةِ فَصَارَتِ الصَّلَاةُ فِيهِ بَاطِلَةً لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، وَلِذَلِكَ
أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَوَحْشِيًّا مَوْلَى الْمُطْعَمِ بْنِ عَدِيٍّ وَمَالِكَ بْنَ الدَّخْشَمِ nindex.php?page=showalam&ids=8131وَمَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ فَقَالَ : انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ الظَّالِمِ أَهْلُهُ فَاهْدِمُوهُ وَحَرِّقُوهُ ، فَفَعَلُوا . وَتَحْرِيقُهُ تَحْرِيقُ الْأَعْوَادِ الَّتِي يُتَّخَذُ مِنْهَا السَّقْفُ ، وَالْجُذُوعِ الَّتِي تُجْعَلُ لَهُ أَعْمِدَةً .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ احْتِرَاسٌ مِمَّا يَسْتَلْزِمُهُ النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ مِنْ إِضَاعَةِ عِبَادَةٍ فِي الْوَقْتِ الَّذِي رَغَّبُوهُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِأَنْ يُصَلِّيَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي دَعَوْهُ فِيهِ لِلصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ الضِّرَارِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِهِ أَوْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ ، لِئَلَّا يَكُونَ لِامْتِنَاعِهِ مِنَ الصَّلَاةِ مِنْ حُظُوظِ الشَّيْطَانِ أَنْ يَكُونَ صَرْفُهُ عَنْ صَلَاةٍ فِي وَقْتٍ دُعِيَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ ، وَهَذَا أَدَبٌ نَفْسَانِيٌّ عَظِيمٌ .
وَفِيهِ أَيْضًا دَفْعُ مَكِيدَةِ الْمُنَافِقِينَ أَنْ يَطْعَنُوا فِي الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ دُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهِمْ فَامْتَنَعَ ، فَقَوْلُهُ : أَحَقُّ وَإِنْ كَانَ اسْمَ تَفْضِيلِ فَهُوَ مَسْلُوبُ الْمُفَاضَلَةِ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِ الضِّرَارِ أَزَالَ كَوْنَهُ حَقِيقًا بِصَلَاتِهِ فِيهِ أَصْلًا .
وَلَعَلَّ نُكْتَةَ الْإِتْيَانِ بِاسْمِ التَّفْضِيلِ أَنَّهُ تَهَكُّمٌ عَلَى الْمُنَافِقِينَ بِمُجَازَاتِهِمْ ظَاهِرًا فِي دَعْوَتِهِمُ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلصَّلَاةِ فِيهِ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَقِيقًا بِصَلَاتِهِ بِمَسْجِدٍ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى أَحَقُّ مِنْهُ ، فَيُعْرَفُ مِنْ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى أَنَّ هَذَا أُسِّسَ عَلَى ضِدِّهَا .
[ ص: 32 ] وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ nindex.php?page=hadith&LINKID=10341923أَنَّ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنِ الْمُرَادِ مِنَ nindex.php?page=treesubj&link=30695الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ : هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا . يَعْنِي الْمَسْجِدَ النَّبَوِيَّ
بِالْمَدِينَةِ . وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا
أَنَّ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ الرِّجَالَ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا بِأَنَّهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَصْحَابِ مَسْجِدِ قُبَاءَ . وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ هُوَ مَسْجِدُهُمْ ، لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108فِيهِ رِجَالٌ
وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَيْنِ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ الَّذِي هَذِهِ صِفَتُهُ لَا مَسْجِدًا وَاحِدًا مُعَيَّنًا ، فَيَكُونُ هَذَا الْوَصْفُ كُلِّيًّا انْحَصَرَ فِي فَرْدَيْنِ
الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ وَمَسْجِدِ قُبَاءَ ، فَأَيُّهُمَا صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْوَقْتِ الَّذِي دَعَوْهُ فِيهِ لِلصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ الضِّرَارِ كَانَ ذَلِكَ أَحَقَّ وَأَجْدَرَ ، فَيَحْصُلُ النَّجَاءُ مِنْ حَظِّ الشَّيْطَانِ فِي الِامْتِنَاعِ مِنَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهِمْ ، وَمِنْ مَطَاعِنِهِمْ أَيْضًا ، وَيَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ . وَقَدْ كَانَ قِيَامُ الرَّسُولِ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ هُوَ دَأْبَهُ .
وَمِنْ جَلِيلِ الْمَنَازِعِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَا فِيهَا مِنْ حُجَّةٍ لِصِحَّةِ آرَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ جَعَلُوا الْعَامَ الَّذِي كَانَ فِيهِ يَوْمُ الْهِجْرَةِ مَبْدَأَ التَّارِيخِ فِي الْإِسْلَامِ . وَذَلِكَ مَا انْتَزَعَهُ
السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ فِي فَصْلِ تَأْسِيسِ
مَسْجِدِ قُبَاءَ إِذْ قَالَ : وَفِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ( وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ أَوَّلَ الْأَيَّامِ كُلِّهَا وَلَا أَضَافَهُ إِلَى شَيْءٍ فِي اللَّفْظِ الظَّاهِرِ فِيهِ ) مِنَ الْفِقْهِ صِحَّةُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - مَعَ
عُمَرَ حِينَ شَاوَرَهُمْ فِي التَّارِيخِ ، فَاتَّفَقَ رَأْيُهُمْ أَنْ يَكُونَ التَّارِيخُ مِنْ عَامِ الْهِجْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي عَزَّ فِيهِ الْإِسْلَامُ وَأَمِنَ فِيهِ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَافَقَ هَذَا ظَاهِرَ التَّنْزِيلِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ثَنَاءٌ عَلَى مُؤْمِنِي الْأَنْصَارِ الَّذِينَ يُصَلُّونَ
بِمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَبِمَسْجِدِ قُبَاءَ . وَجَاءَ الضَّمِيرُ مُفْرَدًا مُرَاعَاةً لِلَفْظِ " مَسْجِدٍ " الَّذِي هُوَ جِنْسٌ ، كَالْإِفْرَادِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ [ ص: 33 ] وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ أَهْلَ مَسْجِدِ الضِّرَارِ لَيْسُوا كَذَلِكَ . وَقَدْ كَانَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ
الْأَنْصَارِ يَجْمَعُونَ بَيْنَ الِاسْتِجْمَارِ بِالْأَحْجَارِ وَالْغُسْلِ بِالْمَاءِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثٌ رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ
أَبِي أَيُّوبَ nindex.php?page=showalam&ids=36وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ nindex.php?page=showalam&ids=9وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذِهِ الْآيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا فَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341925يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ خَيْرًا فِي الطَّهُورِ فَمَا طَهُورُكُمْ ؟ قَالُوا : إِنَّ أَحَدَنَا إِذَا خَرَجَ مِنَ الْغَائِطِ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ . قَالَ : هُوَ ذَلِكَ فَعَلَيْكُمُوهُ ، فَهَذَا يَعُمُّ
الْأَنْصَارَ كُلَّهُمْ . وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ
أَبِي دَاوُدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ
أَهْلَ قُبَاءَ عَنْ طَهَارَتِهِمْ لِأَنَّ
أَهْلَ قُبَاءَ هُمْ أَيْضًا مِنَ
الْأَنْصَارِ ، فَسُؤَالُهُ إِيَّاهُمْ لِتَحَقُّقِ اطِّرَادِ هَذَا التَّطَهُّرِ فِي
قَبَائِلِ الْأَنْصَارِ .
وَأُطْلِقَتِ الْمَحَبَّةُ فِي قَوْلِهِ : ( يُحِبُّونَ ) كِنَايَةً عَنْ عَمَلِ الشَّيْءِ الْمَحْبُوبِ لِأَنَّ الَّذِي يُحِبُّ شَيْئًا مُمْكِنًا يَعْمَلُهُ لَا مَحَالَةَ . فَقَصَدَ التَّنْوِيهَ بِهِمْ بِأَنَّهُمْ يَتَطَهَّرُونَ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ بِالطَّهَارَةِ وَإِرْضَاءً لِمَحَبَّةِ نُفُوسِهِمْ إِيَّاهَا ، بِحَيْثُ صَارَتِ الطِّهَارَةُ خُلُقًا لَهُمْ فَلَوْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ لَفَعَلُوهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ تَذْيِيلٌ . وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ نُفُوسَهُمْ وَافَقَتْ خُلُقًا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى . وَكَفَى بِذَلِكَ تَنْوِيهًا بِزَكَاءِ أَنْفُسِهِمْ .