الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في نفقة الأب على الولد، والولد على الوالدين

                                                                                                                                                                                        الأصل في نفقة الأب على الولد في حال الصغر قول الله عز وجل: فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن فأوجب على الأب أن يشتري له ما يكون طعاما له حينئذ، فكذلك يجب عليه إذا انتقل طعامه إلى أكثر من ذلك. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهند: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" أخرجه البخاري ومسلم.

                                                                                                                                                                                        والنفقة لازمة في الذكران حتى يحتلموا، والإناث حتى يتزوجن ويدخل بهن، وقد تسقط النفقة قبل ذلك، وتثبت بعده على اختلاف في ثبوتها بعد، فأما سقوطها قبل فيصح بوجهين: أحدهما: يسر الولد، والآخر: صناعة تكون له. فإن كان له مال كان الإنفاق من ذلك المال، فإن نفد قبل بلوغ الذكران، أو دخول الإناث، عادت النفقة.

                                                                                                                                                                                        وإن كان للصبي صناعة لا تدركه بعملها معرة، تقوم منها نفقته وكسوته، سقطت النفقة عن الأب، إلا أن تكسد أو يمرض فتعود نفقته، وكذلك الصبية إن كان لها صناعة رقم أو غيره لا يدركها بعملها معرة تقوم منها نفقتها وكسوتها، سقطت النفقة عن الأب إلا أن تمرض أو تكسد. وإن بلغ الصبي صحيحا قويا على الكسب سقطت نفقته.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان زمنا، أو أعمى، أو مقعدا، أو ما أشبه ذلك على ثلاثة أقوال، فقال ابن القاسم: إن بلغ على ذلك لم تسقط النفقة عن الأب، وإن طرأ [ ص: 2581 ] ذلك عليه بعد البلوغ لم تعد النفقة على الأب. وقال ابن وهب في كتاب محمد: لا نفقة له بلغ على ذلك أو طرأ عليه. وذكر ابن الجلاب عن ابن الماجشون أن النفقة لازمة للأب بلغ على ذلك أو حدث بعد. وهو أحسن; لأن النفقة قبل البلوغ لم تكن بحال الصغر بانفراده، وإنما كانت لعجزه عن التكسب والسعي، بدليل أنه لو كان له حينئذ مال أو صنعة تقوم بنفقته لسقطت النفقة عن الأب، ولا تسقط إذا كان لا يقدر على السعي، قيل: إلا من التكفف; لأن في ذلك معرة عليه.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا كان بالغا، وقياسا على نفقة الابن على الأب إذا عجز عن النفقة على نفسه إلا من التكفف والسؤال، فإن على الابن الإنفاف عليه وصيانته عن التبذل بمثل ذلك.

                                                                                                                                                                                        وإذا دخل بالصبية ثم طلقت لم تعد النفقة على الأب إذا كانت صحيحة قادرة على القيام بنفسها من غير السؤال. وقال محمد: إن دخل بها وهي زمنة ثم طلقت، عادت نفقتها على الأب. وتعود النفقة على قول عبد الملك إذا حدثت الزمانة بعد الطلاق، وكذلك إن كانت غير زمنة وعجزت عن القيام بنفسها، إلا من التكفف فعليه الإنفاق عليها، وهي في ذلك أقوى من الصبي; لأن معرتها أشد، وهي إلى الحفظ والصيانة أحوج، ولا تسقط [ ص: 2582 ] النفقة لاختلاف الدينين إذا كان الأب كافرا وهما مسلمان، أو هو مسلم وهما كافران، وهم في ذلك كالمسلمين; لأنه حكم بين نصراني ومسلم، فيحكم بينهما بحكم المسلمين.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية