النوع الرابع :
nindex.php?page=treesubj&link=12534المتوفى عنها زوجها فبين عدتها - سبحانه - بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=234والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) [ البقرة : 234 ] ، فهذا يتناول المدخول بها وغيرها ، والصغيرة والكبيرة ، ولا تدخل فيه الحامل ؛ لأنها خرجت بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) فجعل وضع حملهن جميع أجلهن ، وحصره فيه ، بخلاف قوله في المتوفى عنهن : يتربصن فإنه فعل مطلق لا عموم له ، وأيضا فإن قوله :
[ ص: 529 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4أجلهن أن يضعن حملهن ) [ الطلاق : 4 ] متأخر في النزول عن قوله : ( يتربصن ) وأيضا فإن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=234يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) [ البقرة : 234 ] في غير الحامل بالاتفاق ، فإنها لو تمادى حملها فوق ذلك تربصته ، فعمومها مخصوص اتفاقا ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4أجلهن أن يضعن حملهن ) [ الطلاق : 4 ] غير مخصوص بالاتفاق ، هذا لو لم تأت السنة الصحيحة بذلك ، ووقعت الحوالة على القرآن ، فكيف والسنة الصحيحة موافقة لذلك ، مقررة له .
فهذه أصول العدد في كتاب الله مفصلة مبينة ، ولكن اختلف في فهم المراد من القرآن ودلالته في مواضع من ذلك ، وقد دلت السنة بحمد الله على مراد الله منها ، ونحن نذكرها ونذكر أولى المعاني وأشبهها بها ، ودلالة السنة عليها .
فمن ذلك اختلاف السلف في
nindex.php?page=treesubj&link=12537المتوفى عنها إذا كانت حاملا ، فقال
علي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، وجماعة من الصحابة : أبعد الأجلين من وضع الحمل ، أو أربعة أشهر وعشرا ، وهذا أحد القولين في مذهب
مالك رحمه الله اختاره
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في رواية
أبي طالب عنه :
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس يقولان في المعتدة الحامل : أبعد الأجلين ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود يقول : من شاء باهلته أن سورة النساء القصرى نزلت بعد ، وحديث
سبيعة يقضي بينهم " إذا وضعت ،
[ ص: 530 ] فقد حلت " .
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود يتأول القرآن : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4أجلهن أن يضعن حملهن ) [ الطلاق : 4 ] هي في المتوفى عنها ، والمطلقة مثلها إذا وضعت ، فقد حلت ، وانقضت عدتها ، ولا تنقضي عدة الحامل إذا أسقطت حتى يتبين خلقه ، فإذا بان له يد أو رجل ، عتقت به الأمة ، وتنقضي به العدة ، وإذا ولدت ولدا وفي بطنها آخر ، لم تنقض العدة حتى تلد الآخر ، ولا تغيب عن منزلها الذي أصيب فيه زوجها أربعة أشهر وعشرا إذا لم تكن حاملا ، والعدة من يوم يموت أو يطلق ، هذا كلام أحمد .
وقد تناظر في هذه المسألة :
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة رضي الله عنهما ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : عدتها وضع الحمل ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : تعتد أقصى الأجلين ، فحكما
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة رضي الله عنها ، فحكمت
nindex.php?page=showalam&ids=3لأبي هريرة ، واحتجت بحديث
سبيعة .
وقد قيل : إن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رجع .
وقال جمهور الصحابة ومن بعدهم ، والأئمة الأربعة : إن عدتها وضع الحمل ، ولو كان الزوج على مغتسله فوضعت ، حلت .
قال أصحاب الأجلين : هذه قد تناولها عمومان ، وقد أمكن دخولها في كليهما ، فلا تخرج من عدتها بيقين حتى تأتي بأقصى الأجلين ، قالوا : ولا يمكن تخصيص عموم إحداهما بخصوص الأخرى ، لأن كل آية عامة من وجه ، خاصة من وجه ، قالوا : فإذا أمكن دخول بعض الصور في عموم الآيتين ، يعني إعمالا للعموم في مقتضاه .
فإذا اعتدت أقصى الأجلين دخل أدناهما في أقصاهما .
[ ص: 531 ] والجمهور أجابوا عن هذا بثلاثة أجوبة .
أحدها : أن صريح السنة يدل على اعتبار الحمل فقط ، كما في " الصحيحين " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003582أن سبيعة الأسلمية توفي عنها زوجها وهي حبلى ، فوضعت ، فأرادت أن تنكح ، فقال لها أبو السنابل : ما أنت بناكحة حتى تعتدي آخر الأجلين ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " كذب أبو السنابل ، قد حللت فانكحي من شئت " .
الثاني أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) [ الطلاق : 4 ] نزلت بعد قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=234والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) [ البقرة : 234 ] وهذا جواب
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ، كما في " صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " عنه : أتجعلون عليها التغليظ ، ولا تجعلون لها الرخصة ، أشهد لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) [ الطلاق : 4 ] .
وهذا الجواب يحتاج إلى تقرير ، فإن ظاهره أن آية الطلاق مقدمة على آية البقرة لتأخرها عنها ، فكانت ناسخة لها ، ولكن النسخ عند الصحابة والسلف أعم منه عند المتأخرين ، فإنهم يريدون به ثلاثة معان .
أحدها : رفع الحكم الثابت بخطاب .
الثاني : رفع دلالة الظاهر إما بتخصيص ، وإما بتقييد ، وهو أعم مما قبله .
الثالث : بيان المراد باللفظ الذي بيانه من خارج ، وهذا أعم من المعنيين
[ ص: 532 ] الأولين ،
nindex.php?page=showalam&ids=10فابن مسعود رضي الله عنه أشار بتأخر نزول سورة الطلاق ، إلا أن آية الاعتداد بوضع الحمل ناسخة لآية البقرة إن كان عمومها مرادا ، أو مخصصة لها إن لم يكن عمومها مرادا ، أو مبينة للمراد منها ، أو مقيدة لإطلاقها ، وهذا من كمال فقهه رضي الله عنه ، ورسوخه في العلم ، ومما يبين أن أصول الفقه سجية للقوم ، وطبيعة لا يتكلفونها ، كما أن العربية والمعاني والبيان وتوابعها لهم كذلك ، فمن بعدهم فإنما يجهد نفسه ليتعلق بغبارهم وأنى له ؟ !
الثالث : أنه لو لم تأت السنة الصريحة باعتبار الحمل ، ولم تكن آية الطلاق متأخرة ، لكان تقديمها هو الواجب لما قررناه أولا من جهات العموم الثلاثة فيها ، وإطلاق قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=234يتربصن ) ، وقد كانت الحوالة على هذا الفهم ممكنة ، ولكن لغموضه ودقته على كثير من الناس ، أحيل في ذلك الحكم على بيان السنة ، وبالله التوفيق .
النَّوْعُ الرَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=12534الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَبَيَّنَ عِدَّتَهَا - سُبْحَانَهُ - بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=234وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) [ الْبَقَرَةِ : 234 ] ، فَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْمَدْخُولَ بِهَا وَغَيْرَهَا ، وَالصَّغِيرَةَ وَالْكَبِيرَةَ ، وَلَا تَدْخُلُ فِيهِ الْحَامِلُ ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) فَجَعَلَ وَضْعَ حَمْلِهِنَّ جَمِيعَ أَجَلِهِنَّ ، وَحَصَرَهُ فِيهِ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ : يَتَرَبَّصْنَ فَإِنَّهُ فِعْلٌ مُطْلَقٌ لَا عُمُومَ لَهُ ، وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ :
[ ص: 529 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) [ الطَّلَاقِ : 4 ] مُتَأَخِّرٌ فِي النُّزُولِ عَنْ قَوْلِهِ : ( يَتَرَبَّصْنَ ) وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=234يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) [ الْبَقَرَةِ : 234 ] فِي غَيْرِ الْحَامِلِ بِالِاتِّفَاقِ ، فَإِنَّهَا لَوْ تَمَادَى حَمْلُهَا فَوْقَ ذَلِكَ تَرَبَّصَتْهُ ، فَعُمُومُهَا مَخْصُوصٌ اتِّفَاقًا ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) [ الطَّلَاقِ : 4 ] غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِالِاتِّفَاقِ ، هَذَا لَوْ لَمْ تَأْتِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ بِذَلِكَ ، وَوَقَعَتِ الْحَوَالَةُ عَلَى الْقُرْآنِ ، فَكَيْفَ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ مُوَافِقَةٌ لِذَلِكَ ، مُقَرِّرَةٌ لَهُ .
فَهَذِهِ أَصُولُ الْعِدَدِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مُفَصَّلَةً مُبَيَّنَةً ، وَلَكِنِ اخْتُلِفَ فِي فَهْمِ الْمُرَادِ مِنَ الْقُرْآنِ وَدَلَالَتِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ ذَلِكَ ، وَقَدْ دَلَّتِ السُّنَّةُ بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ مِنْهَا ، وَنَحْنُ نَذْكُرُهَا وَنَذْكُرُ أَوْلَى الْمَعَانِي وَأَشْبَهَهَا بِهَا ، وَدَلَالَةَ السُّنَّةِ عَلَيْهَا .
فَمِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافُ السَّلَفِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=12537الْمُتَوَفَّى عَنْهَا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا ، فَقَالَ
علي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصِّحَابَةِ : أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ مِنْ وَضْعِ الْحَمْلِ ، أَوْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ
مالك رَحِمَهُ اللَّهُ اخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15968سَحْنُونٌ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ
أبي طالب عَنْهُ :
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولَانِ فِي الْمُعْتَدَّةِ الْحَامِلِ : أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ ، وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ : مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى نَزَلَتْ بَعْدُ ، وَحَدِيثُ
سبيعة يَقْضِي بَيْنَهُمْ " إِذَا وَضَعَتْ ،
[ ص: 530 ] فَقَدْ حَلَّتْ " .
nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنُ مَسْعُودٍ يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) [ الطَّلَاقِ : 4 ] هِيَ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا ، وَالْمُطَلَّقَةُ مِثْلُهَا إِذَا وَضَعَتْ ، فَقَدْ حَلَّتْ ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ، وَلَا تَنْقَضِي عِدَّةُ الْحَامِلِ إِذَا أَسْقَطَتْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خَلْقُهُ ، فَإِذَا بَانَ لَهُ يَدٌ أَوْ رِجْلٌ ، عَتَقَتْ بِهِ الْأَمَةُ ، وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ ، وَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدًا وَفِي بَطْنِهَا آخَرُ ، لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ حَتَّى تَلِدَ الْآخَرَ ، وَلَا تَغِيبُ عَنْ مَنْزِلِهَا الَّذِي أُصِيبَ فِيهِ زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا ، وَالْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ يَمُوتُ أَوْ يُطَلِّقُ ، هَذَا كَلَامُ أَحْمَدَ .
وَقَدْ تَنَاظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ :
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ : عِدَّتُهَا وَضْعُ الْحَمْلِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : تَعْتَدُّ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ ، فَحَكَّمَا
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، فَحَكَمَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=3لِأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَاحْتَجَّتْ بِحَدِيثِ
سبيعة .
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ رَجَعَ .
وَقَالَ جُمْهُورُ الصِّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ : إِنَّ عِدَّتَهَا وَضْعُ الْحَمْلِ ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَلَى مُغْتَسَلِهِ فَوَضَعَتْ ، حَلَّتْ .
قَالَ أَصْحَابُ الْأَجَلَيْنِ : هَذِهِ قَدْ تَنَاوَلَهَا عُمُومَانِ ، وَقَدْ أَمْكَنَ دُخُولُهَا فِي كِلَيْهِمَا ، فَلَا تَخْرُجُ مِنْ عِدَّتِهَا بِيَقِينِ حَتَّى تَأْتِيَ بِأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ ، قَالُوا : وَلَا يُمْكِنُ تَخْصِيصُ عُمُومِ إِحْدَاهُمَا بِخُصُوصِ الْأُخْرَى ، لِأَنَّ كُلَّ آيَةٍ عَامَّةٌ مِنْ وَجْهٍ ، خَاصَّةٌ مِنْ وَجْهٍ ، قَالُوا : فَإِذَا أَمْكَنَ دُخُولُ بَعْضِ الصُّوَرِ فِي عُمُومِ الْآيَتَيْنِ ، يَعْنِي إِعْمَالًا لِلْعُمُومِ فِي مُقْتَضَاهُ .
فَإِذَا اعْتَدَّتْ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ دَخَلَ أَدْنَاهُمَا فِي أَقْصَاهُمَا .
[ ص: 531 ] وَالْجُمْهُورُ أَجَابُوا عَنْ هَذَا بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ .
أَحَدُهَا : أَنَّ صَرِيحَ السُّنَّةِ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْحَمْلِ فَقَطْ ، كَمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003582أَنَّ سبيعة الأسلمية تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حُبْلَى ، فَوَضَعَتْ ، فَأَرَادَتْ أَنْ تَنْكِحَ ، فَقَالَ لَهَا أبو السنابل : مَا أَنْتِ بِنَاكِحَةٍ حَتَّى تَعْتَدِّي آخِرَ الْأَجَلَيْنِ ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " كَذَبَ أبو السنابل ، قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ " .
الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) [ الطَّلَاقِ : 4 ] نَزَلَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=234وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) [ الْبَقَرَةِ : 234 ] وَهَذَا جَوَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، كَمَا فِي " صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ " عَنْهُ : أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ ، وَلَا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَةَ ، أَشْهَدُ لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) [ الطَّلَاقِ : 4 ] .
وَهَذَا الْجَوَابُ يَحْتَاجُ إِلَى تَقْرِيرٍ ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ آيَةَ الطَّلَاقِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى آيَةِ الْبَقَرَةِ لِتَأَخُّرِهَا عَنْهَا ، فَكَانَتْ نَاسِخَةً لَهَا ، وَلَكِنَّ النَّسْخَ عِنْدَ الصِّحَابَةِ وَالسَّلَفِ أَعَمُّ مِنْهُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ ، فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ .
أَحَدُهَا : رَفْعُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِخِطَابٍ .
الثَّانِي : رَفْعُ دَلَالَةِ الظَّاهِرِ إِمَّا بِتَخْصِيصِ ، وَإِمَّا بِتَقْيِيدٍ ، وَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ .
الثَّالِثُ : بَيَانُ الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ الَّذِي بَيَانُهُ مِنْ خَارِجٍ ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ
[ ص: 532 ] الْأَوَّلَيْنِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=10فَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَشَارَ بِتَأَخُّرِ نُزُولِ سُورَةِ الطَّلَاقِ ، إِلَّا أَنَّ آيَةَ الِاعْتِدَادِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ نَاسِخَةٌ لِآيَةِ الْبَقَرَةِ إِنْ كَانَ عُمُومُهَا مُرَادًا ، أَوْ مُخَصِّصَةٌ لَهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ عُمُومُهَا مُرَادًا ، أَوْ مُبَيِّنَةٌ لِلْمُرَادِ مِنْهَا ، أَوْ مُقَيِّدَةٌ لِإِطْلَاقِهَا ، وَهَذَا مِنْ كَمَالِ فِقْهِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَرُسُوخِهِ فِي الْعِلْمِ ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ سَجِيَّةٌ لِلْقَوْمِ ، وَطَبِيعَةٌ لَا يَتَكَلَّفُونَهَا ، كَمَا أَنَّ الْعَرَبِيَّةَ وَالْمَعَانِيَ وَالْبَيَانَ وَتَوَابِعَهَا لَهُمْ كَذَلِكَ ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ فَإِنَّمَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ لِيَتَعَلَّقَ بِغُبَارِهِمْ وَأَنَّى لَهُ ؟ !
الثَّالِثُ : أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَأْتِ السُّنَّةُ الصَّرِيحَةُ بِاعْتِبَارِ الْحَمْلِ ، وَلَمْ تَكُنْ آيَةُ الطَّلَاقِ مُتَأَخِّرَةً ، لَكَانَ تَقْدِيمُهَا هُوَ الْوَاجِبَ لِمَا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ جِهَاتِ الْعُمُومِ الثَّلَاثَةِ فِيهَا ، وَإِطْلَاقِ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=234يَتَرَبَّصْنَ ) ، وَقَدْ كَانَتِ الْحَوَالَةُ عَلَى هَذَا الْفَهْمِ مُمْكِنَةً ، وَلَكِنْ لِغُمُوضِهِ وَدِقَّتِهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ ، أُحِيلَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى بَيَانِ السُّنَّةِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .