الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال الله تعالى:

ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء (272) [ ص: 228 ] ظاهر السياق، تعلق الكلام بما تقدم من قوله: إن تبدوا الصدقات فنعما هي .

وذكر بعد قوله: من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم (272)، فدل المساق والمتقدم، على أن المراد به الصدقة عليهم، وإن لم يكونوا على دين الإسلام.

وروى سعيد بن جبير مرسلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تتصدقوا إلا على أهل دينكم".

وقال عليه السلام: "تصدقوا على أهل الأديان".

وكره الناس أن يتصدقوا على المشركين، فأنزل الله تعالى: ليس عليك هداهم .

ونظير ذلك قوله تعالى: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا، ويتيما وأسيرا .

والأسير في دار الإسلام لا يكون إلا مشركا.

ونظيره قوله: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم .

وظواهر هذه الآيات تقتضي جواز صرف الصدقات إليهم جملة، إلا أن النبي عليه السلام خص من ذلك الزكوات المفروضة.

واتفق العلماء أن زكوات الأموال لا تصرف إليهم لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: [ ص: 229 ] "خذ الصدقة من أغنيائهم وردها في فقرائهم" ، والذي يتولاه رب المال بنفسه، لا يتناوله هذا الخبر، إلا أنه في معناه لأن الكل كان مأخوذا من أرباب الأموال إلى زمان عثمان.

ورأى أبو حنيفة أن غير زكاة المال يجوز صرفها إليهم مثل صدقة الفطر، نظرا إلى عموم الآية في البر وإطعام الطعام وإطلاق الصدقات.

ورأى الشافعي أن الصدقات الواجبة بجملتها مخصوصة منها، لقوله عليه السلام في صدقة الفطر:

"أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم" .

وظاهر أن ذلك كان لتشاغلهم بالعيد وصلاة العيد، وهذا لا يتحقق في المشركين.

ودل أيضا، وجوب إعتاق العبد المسلم في كفارة القتل على أن المفروض من الصدقات لا يصرف إلى الكافر.

ومعاذ كما يأخذ صدقات الأموال فكان يأخذ صدقة الفطر أيضا.

واللفظ شامل للجميع، وهو قوله عليه السلام له: "خذ الصدقة من أغنيائهم وردها في فقرائهم" .

على أن قول الله تعالى: ليس عليك هداهم ليس ظاهرا في الصدقات وصرفها إلى الكفار، بل يحتمل أن يكون معناه: ليس عليك هداهم ابتداء، وقوله: وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون للفقراء. [ ص: 230 ] يعني: وما تنفقوا للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله، والمراد بالإنفاق فقراء المهاجرين.

التالي السابق


الخدمات العلمية