الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          فصل وإن أخذ الساعي أكثر من الواجب بلا تأويل ، كأخذه عن أربعين مختلطة شاتين من مال أحدهما ، وعن ثلاثين بعيرا الجذعة ، رجع على خليطه في الأولى بقيمة نصف شاة ، وفي الثانية بقيمة نصف بنت مخاض ; لأن الزيادة ظلم ، فلا يجوز رجوعه على غير ظالمه ( و ) وأطلق شيخنا في رجوعه على شريكه قولين ، ومراده للعلماء ، قال : أظهرهما يرجع .

                                                                                                          وقال في المظالم المشتركة ، تطلب من الشركاء ، يطلبها الولاة والظلمة من البلدان [ ص: 400 ] أو التجار أو الحجيج أو غيرهم ، والكلف السلطانية ، وغير ذلك ، على الأنفس أو الأموال أو الدواب : يلزمهم التزام العدل في ذلك ، كما يلزم فيما يؤخذ منهم بحق ، ولا يجوز أن يمتنع أحد من أداء قسطه من ذلك ، بحيث يؤخذ قسطه من الشركاء ; لأنه لم يدفع الظلم عنه إلا بظلم شركائه ; لأنه يطلب ما يعلم أنه يظلم فيه غيره ، كمن يولي أو يوكل من يعلم أنه يظلم ويأمره بعدم الظلم ، ليس له أن يوليه ، ولأنه يلزم العدل في هذا الظلم ، ولأن النفوس [ لا ] ترضى بالتخصيص ، ولأنه يفضي إلى أخذ الجميع من الضعفاء ، ولأنه لو احتاج المسلمون إلى جمع مال لدفع عدو كافر لزم القادر ، الاشتراك ، فهاهنا أولى ، فمن تغيب أو امتنع وأخذ من غيره حصته ، رجع على من أدى عنه ، في الأظهر ، إلا أن ينوي تبرعا .

                                                                                                          ولا شبهة على الآخذ في الأخذ ، كسائر الواجبات ، كعامل الزكاة ، وناظر الوقف ، والوصي ، والمضارب ، والشريك ، والوكيل ، وسائر من تصرف لغيره بولاية أو وكالة ، إذا طلب منه حصة ، ما ينوب ذلك المال من الكلف ، فإن لهم أن يؤدوا ذلك من المال ، بل إن كان لم يؤدوه ، أخذ الظلمة أكثر وجب ; لأنه من حفظ المال ، ولو [ ص: 401 ] قدر غيبة المال ، فاقترضوا عليه ، وأدوا من مالهم ، رجعوا به ، وعلى هذا العمل . ومن لم يقل به لزم من الفساد ما لا يعلمه إلا رب العباد . قال : وغاية هذا أن يشبه بغصب المشاع ، فالغاصب إذا قبض من المشترك نصيب أحد الشريكين كان ذلك من مال ذلك الشريك ، في الأظهر ، وهو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما ، ولو أقر أحد الابنين بأخ وكذبه أخوه لزم المقر أن يدفع إلى المقر به ما فضل عن حقه ، وهو السدس ، في مذهب مالك والشافعي وأحمد ، جعلوا ما غصبه الأخ المنكر من مال المقر به خاصة لأجل النية .

                                                                                                          وكذا هاهنا إنما قبض الظالم عن ذلك المطلوب لم يقصد أخذ مال الدافع ، لكن قال أبو حنيفة في غصب المشاع : ما قبضه الغاصب يكون منهما ، اعتبارا بصورة القبض ، ويكون النصف الذي غصبه الأخ المنكر منهما ، وهو قول في مذهب الشافعي وأحمد ، قال : ومن صودر على مال فأكره أقاربه أو أصدقاؤه أو جيرانه أو شركاؤه على أن يؤدوا عنه فلهم الرجوع ; لأنهم ظلموا لأجله ولأجل ماله ، والطالب مقصوده ماله لا مالهم ، واحتج بقصة ابن اللتبية ، وقال : فلما كانوا إنما أعطوه وأهدوا إليه لأجل ولايته جعل ذلك من جملة المال المستحق لأهل الصدقات ; لأنه بسبب أموالهم قبض ، ولم يخص به العامل ، فكذا ما قبض بسبب مال بعض الناس ، فعنها بحسب ، فكأنما أعطي لأجلها فهو مغنم ونماء لها ، [ ص: 402 ] لا لمن أخذه ، فما أخذ لأجلها فهو مغرم منها ، لا على من أعطاه ، وكذا من لم يخلص مال غيره من التلف إلا بما أدى عنه رجع به في أظهر قول العلماء ، وهو حسن وتأتي هذه المسائل في موضعها إن شاء الله تعالى .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية