nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم
معطوفة على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113ما كان للنبيء إلخ . وهي من تمام الآية باعتبار ما فيها من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113ولو كانوا أولي قربى إذ كان شأن ما لا ينبغي لنبينا
محمد - عليه الصلاة والسلام - أن لا ينبغي لغيره من الرسل - عليهم الصلاة والسلام ; لأن معظم أحكامهم متحدة إلا ما خص به نبينا من زيادة الفضل . وهذه من مسألة ( أن شرع من قبلنا شرع لنا ) فلا جرم كان ما ورد من استغفار
إبراهيم قد يثير تعارضا بين الآيتين ، فلذلك تصدى القرآن للجواب عنه . وقد تقدم آنفا ما روي أن هذه سبب نزول الآية .
والموعدة : اسم للوعد . والوعد صدر من أبي إبراهيم لا محالة ، كما يدل عليه الاعتذار
لإبراهيم لأنه لو كان
إبراهيم هو الذي وعد أباه بالاستغفار وكان استغفاره له للوفاء بوعده لكان يتجه من السؤال على الوعد بذلك وعلى الوفاء به ما اتجه على وقوع الاستغفار له . فالتفسير الصحيح أن
أبا إبراهيم وعد
إبراهيم بالإيمان ، فكان بمنزلة المؤلفة قلوبهم بالاستغفار له لأنه ظنه مترددا في عبادة الأصنام لما قال له
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46واهجرني مليا فسأل الله له المغفرة لعله يرفض عبادة الأصنام كما يدل عليه قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه [ ص: 46 ] وطريق تبين أنه عدو لله إما الوحي بأن نهاه الله عن الاستغفار له ، وإما بعد أن مات على الشرك .
والتبرؤ : تفعل من برئ من كذا إذا تنزه عنه ، فالتبرؤ مبالغة في البراءة .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114إن إبراهيم لأواه حليم استئناف ثناء على إبراهيم . و ( أواه ) فسر بمعان ترجع إلى الشفقة إما على النفس فتفيد الضراعة إلى الله والاستغفار ، وإما على الناس فتفيد الرحمة بهم والدعاء لهم .
ولفظ ( أواه ) مثال مبالغة : الذي يكثر قول ( أوه ) بلغاته الثلاث عشرة التي عدها في القاموس ، وأشهرها ( أوه ) بفتح الهمزة وواو مفتوحة مشددة وهاء ساكنة . قال
المرادي في شرح التسهيل : وهذه أشهر لغاتها . وهي اسم فعل مضارع بمعنى أتوجع لإنشاء التوجع ، لكن الوصف بـ ( أواه ) كناية عن الرأفة ورقة القلب والتضرع حين يوصف به من ليس به وجع . والفعل المشتق منه ( أواه ) حقه أن يكون ثلاثيا لأن أمثلة المبالغة تصاغ من الثلاثي . وقد اختلف في استعمال فعل ثلاثي له ، فأثبته قطرب وأنكره عليه غيره من النحاة .
وإتباع ( لأواه ) بوصف ( حليم ) هنا وفي آيات كثيرة قرينة على الكناية وإيذان بمثار التأوه عنده .
والحليم : صاحب الحلم . والحلم بكسر الحاء : صفة في النفس وهي رجاحة العقل وثباتة ورصانة وتباعد عن العدوان . فهو صفة تقتضي هذه الأمور ، ويجمعها عدم القسوة . ولا تنافي الانتصار للحق لكن بدون تجاوز للقدر المشروع في الشرائع أو عند ذوي العقول .
قال :
حليم إذا ما الحلم زين أهـلـه مع الحلم في عين العدو مهيب
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ
مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113مَا كَانَ لِلنَّبِيءِ إِلَخْ . وَهِيَ مِنْ تَمَامِ الْآيَةِ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهَا مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى إِذْ كَانَ شَأْنُ مَا لَا يَنْبَغِي لِنَبِيِّنَا
مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ لَا يَنْبَغِيَ لِغَيْرِهِ مِنَ الرُّسُلِ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ; لِأَنَّ مُعْظَمَ أَحْكَامِهِمْ مُتَّحِدَةٌ إِلَّا مَا خُصَّ بِهِ نَبِيُّنَا مِنْ زِيَادَةِ الْفَضْلِ . وَهَذِهِ مِنْ مَسْأَلَةِ ( أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا ) فَلَا جَرَمَ كَانَ مَا وَرَدَ مِنِ اسْتِغْفَارِ
إِبْرَاهِيمَ قَدْ يُثِيرُ تَعَارُضًا بَيْنَ الْآيَتَيْنِ ، فَلِذَلِكَ تَصَدَّى الْقُرْآنُ لِلْجَوَابِ عَنْهُ . وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا مَا رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ .
وَالْمَوْعِدَةُ : اسْمٌ لِلْوَعْدِ . وَالْوَعْدُ صَدَرَ مِنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ لَا مَحَالَةَ ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الِاعْتِذَارُ
لِإِبْرَاهِيمَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ
إِبْرَاهِيمُ هُوَ الَّذِي وَعَدَ أَبَاهُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَكَانَ اسْتِغْفَارُهُ لَهُ لِلْوَفَاءِ بِوَعْدِهِ لَكَانَ يَتَّجِهُ مِنَ السُّؤَالِ عَلَى الْوَعْدِ بِذَلِكَ وَعَلَى الْوَفَاءِ بِهِ مَا اتَّجَهَ عَلَى وُقُوعِ الِاسْتِغْفَارِ لَهُ . فَالتَّفْسِيرُ الصَّحِيحُ أَنَّ
أَبَا إِبْرَاهِيمَ وَعَدَ
إِبْرَاهِيمَ بِالْإِيمَانِ ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُ لِأَنَّهُ ظَنَّهُ مُتَرَدِّدًا فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ لَمَّا قَالَ لَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا فَسَأَلَ اللَّهَ لَهُ الْمَغْفِرَةَ لَعَلَّهُ يَرْفُضُ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ [ ص: 46 ] وَطَرِيقُ تَبَيُّنِ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ إِمَّا الْوَحْيُ بِأَنْ نَهَاهُ اللَّهُ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ لَهُ ، وَإِمَّا بَعْدَ أَنْ مَاتَ عَلَى الشِّرْكِ .
وَالتَّبَرُّؤُ : تَفَعُّلٌ مِنْ بَرِئَ مِنْ كَذَا إِذَا تَنَزَّهَ عَنْهُ ، فَالتَّبَرُّؤُ مُبَالَغَةٌ فِي الْبَرَاءَةِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ اسْتِئْنَافُ ثَنَاءٍ عَلَى إِبْرَاهِيمَ . وَ ( أَوَّاهٌ ) فُسِّرَ بِمُعَانٍ تَرْجِعُ إِلَى الشَّفَقَةِ إِمَّا عَلَى النَّفْسِ فَتُفِيدُ الضَّرَاعَةَ إِلَى اللَّهِ وَالِاسْتِغْفَارَ ، وَإِمَّا عَلَى النَّاسِ فَتُفِيدُ الرَّحْمَةَ بِهِمْ وَالدُّعَاءَ لَهُمْ .
وَلَفْظُ ( أَوَّاهٌ ) مِثَالُ مُبَالَغَةٍ : الَّذِي يُكْثِرُ قَوْلَ ( أَوَّهْ ) بِلُغَاتِهِ الثَلَاثَ عَشْرَةَ الَّتِي عَدَّهَا فِي الْقَامُوسِ ، وَأَشْهَرُهَا ( أَوَّهْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَهَاءٍ سَاكِنَةٍ . قَالَ
الْمُرَادِيُّ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ : وَهَذِهِ أَشْهَرُ لُغَاتِهَا . وَهِيَ اسْمُ فِعْلٍ مُضَارِعٍ بِمَعْنَى أَتَوَجَّعُ لِإِنْشَاءِ التَّوَجُّعِ ، لَكِنَّ الْوَصْفَ بِـ ( أَوَّاهٌ ) كِنَايَةٌ عَنِ الرَّأْفَةِ وَرِقَّةِ الْقَلْبِ وَالتَّضَرُّعِ حِينَ يُوصَفُ بِهِ مَنْ لَيْسَ بِهِ وَجَعٌ . وَالْفِعْلُ الْمُشْتَقُّ مِنْهُ ( أَوَّاهٌ ) حَقُّهُ أَنْ يَكُونَ ثُلَاثِيًّا لِأَنَّ أَمْثِلَةَ الْمُبَالَغَةِ تُصَاغُ مِنَ الثُّلَاثِيِّ . وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي اسْتِعْمَالِ فِعْلٍ ثُلَاثِيٍّ لَهُ ، فَأَثْبَتَهُ قُطْرُبٌ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنَ النُّحَاةِ .
وَإِتْبَاعُ ( لَأَوَّاهٌ ) بِوَصْفِ ( حَلِيمٌ ) هُنَا وَفِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ قَرِينَةٌ عَلَى الْكِنَايَةِ وَإِيذَانٌ بِمُثَارِ التَّأَوُّهِ عِنْدَهُ .
وَالْحَلِيمُ : صَاحِبُ الْحِلْمِ . وَالْحِلْمُ بِكَسْرِ الْحَاءِ : صِفَةٌ فِي النَّفْسِ وَهِيَ رَجَاحَةُ الْعَقْلِ وَثَبَاتَةٌ وَرَصَانَةٌ وَتَبَاعُدٌ عَنِ الْعُدْوَانِ . فَهُوَ صِفَةٌ تَقْتَضِي هَذِهِ الْأُمُورَ ، وَيَجْمَعُهَا عَدَمُ الْقَسْوَةِ . وَلَا تُنَافِي الِانْتِصَارَ لِلْحَقِّ لَكِنْ بِدُونَ تَجَاوُزٍ لِلْقَدْرِ الْمَشْرُوعِ فِي الشَّرَائِعِ أَوْ عِنْدَ ذَوِي الْعُقُولِ .
قَالَ :
حَلِيمٌ إِذَا مَا الْحِلْمُ زَيَّنَ أَهْـلَـهُ مَعَ الْحِلْمِ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ مَهِيبُ