الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا محمد بن أحمد بن أبان ، ثنا أبي ، ثنا أبو بكر بن سفيان ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا عمرو بن جرير ، حدثني أبو سريع الشامي قال : قال عمر بن عبد العزيز لرجل من جلسائه : أبا فلان ، لقد أرقت الليلة تفكرا ، قال : فيم يا أمير المؤمنين ؟ قال : في القبر وساكنه ، إنك لو رأيت الميت بعد ثالثة في قبره لاستوحشت من قربه بعد طول الأنس منك بناحيته ، ولرأيت بيتا تجول فيه الهوام ، ويجري فيه الصديد ، وتخترقه الديدان ، مع تغير الريح ، وبلى الأكفان ، بعد حسن الهيئة ، وطيب الريح ، ونقاء الثوب ، ثم شهق شهقة ، وخر مغشيا عليه ، فقالت فاطمة : يا مزاحم ، ويحك أخرج هذا الرجل عنا ؛ فلقد نغص على أمير المؤمنين الحياة منذ ولي ، فليته لم يل .

              قال : فخرج الرجل ، فجاءت فاطمة تصب على وجهه الماء وتبكي حتى أفاق من غشيته ، فرآها تبكي فقال : ما يبكيك يا فاطمة ؟ قالت : يا أمير المؤمنين ، رأيت مصرعك بين أيدينا ، فذكرت به مصرعك [ ص: 269 ] بين يدي الله للموت ، وتخليك من الدنيا ، وفراقك لنا ، فذاك الذي أبكاني ، فقال : حسبك يا فاطمة ، فلقد أبلغت ، ثم مال ليسقط فضمته إلى نفسها ، فقالت : بأبي أنت يا أمير المؤمنين ، ما نستطيع أن نكلمك بكل ما نجد لك في قلوبنا ، فلم يزل على حاله تلك حتى حضرته الصلاة ، فصبت على وجهه ماء ثم نادته : الصلاة يا أمير المؤمنين ، فأفاق فزعا .

              حدثنا محمد بن أحمد بن أبان ، ثنا أبي ، ثنا أبو بكر ، حدثني محمد بن الحسين ، حدثني يونس بن الحكم ، حدثني عبد السلام ، مولى مسلمة بن عبد الملك قال : بكى عمر بن عبد العزيز ، فبكت فاطمة ، فبكى أهل الدار ، لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء ! فلما تجلى عنهم العبر ، قالت له فاطمة : بأبي أنت يا أمير المؤمنين ، مم بكيت ؟ قال : ذكرت يا فاطمة منصرف القوم من بين يدي الله عز وجل ، فريق في الجنة ، وفريق في السعير ، قال : ثم صرخ وغشي عليه .

              حدثنا محمد بن أحمد بن أبان ، حدثني أبي ، ثنا أبو بكر بن سفيان ، ثنا محمد بن الحسين ، حدثني أبو منصور الواسطي ، ثنا المغيرة بن مطرف الرواسي ، ثنا خالد بن صفوان ، عن ميمون بن مهران قال : خرجت مع عمر بن عبد العزيز إلى المقبرة ، فلما نظر إلى القبور بكى ، ثم أقبل علي فقال : يا أبا أيوب ، هذه قبور آبائي بني أمية ، كأنهم لم يشاركوا أهل الدنيا في لذتهم وعيشهم ، أما تراهم صرعى قد خلت بهم المثلات ، واستحكم فيهم البلاء ، وأصابت الهوام في أبدانهم مقيلا ؟ ثم بكى حتى غشي عليه ، ثم أفاق فقال : انطلق بنا ، فوالله ما أعلم أحدا أنعم ممن صار إلى هذه القبور وقد أمن عذاب الله .

              حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد ، ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا عبد الله بن محمد بن عبيد ، حدثني محمد بن الحسين ، ثنا إبراهيم بن مهدي قال : سمعت أخا شعيب بن صفوان يذكر ، عن سفيان بن حسين ، أن عمر بن عبد العزيز ، استيقظ ذات يوم باكيا ، فقيل له : ما شأنك يا أمير المؤمنين ؟ قال : رأيت شيخا وقف علي فقال :


              إذا ما أتتك الأربعون فعندها فاخش الإله وكن للموت حذارا



              [ ص: 270 ] قال : ولما مات عمر رجعت المياه التي تجري منقلبة .

              حدثنا أحمد بن إسحاق ، نا عبد الله بن سليمان ، نا المسيب بن واضح ، نا إسحاق الفزاري ، عن الأوزاعي قال : أراد عمر بن عبد العزيز أن يستعمل رجلا على عمل فأبى ، فقال له عمر : عزمت عليك لتفعلن ، قال الرجل : وأنا أعزم على نفسي ألا أفعل ، فقال عمر للرجل : لا تعص ، فقال الرجل : يا أمير المؤمنين ، إن الله تعالى قال : ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها ) - الآية - المعصية كان ذلك منها ؟ فأعفاه عمر .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية