الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب التاسع والعشرون في غزوة الطائف

                                                                                                                                                                                                                              لما قدم فل ثقيف الطائف رموا حصنهم وأغلقوا عليهم أبواب مدينتهم ، وتهيئوا للقتال ، وكانوا أدخلوا فيه قوت سنة لو حصروا وجمعوا حجارة كثيرة ، وأعدوا سككا من الحديد وأدخلوا معهم قوما من العرب من عقيل وغيرهم ، وأمروا بسرحهم أن يرفع في موضع يأمنون فيه ، وقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين يديه خالد بن الوليد في ألف من أصحابه إلى الطائف ، فأتى خالد الطائف فنزل ناحية من الحصن ، وقامت ثقيف على حصنها بالرجال والسلاح ، ودنا خالد في نفر من أصحابه فدار بالحصن من كان متنحيا عنه ، ونظر إلى نواحيه ، ثم وقف في ناحية من الحصن فنادى بأعلى صوته : ينزل إلي بعضكم أكلمه وهو آمن حتى يرجع ، أو اجعلوا لي مثل ما جعلت لكم ، وأدخل عليكم حصنكم أكلمكم . قالوا : لا ينزل إليك رجل منا ولا تصل إلينا ، وقالوا : يا خالد إن صاحبكم لم يلق قوما يحسنون قتاله غيرنا . قال خالد : فاسمعوا من قولي ، نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأهل الحصون والقوة بيثرب وخيبر ، وبعث رجلا واحدا إلى فدك فنزلوا على حكمه ، وأنا أحذركم مثل يوم بني قريظة ، حصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أياما ، ثم نزلوا على حكمه ، فقتل مقاتلتهم في صعيد واحد ثم سبى الذرية ، ثم دخل مكة فافتتحها وأوطأ هوازن في جمعها ، وأنتم في حصن في ناحية من الأرض ، لو ترككم لقتلكم من حولكم ممن أسلم . قالوا : لا نفارق ديننا ، ثم رجع خالد بن الوليد إلى منزله .

                                                                                                                                                                                                                              وسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد خالد ولم يرجع إلى مكة ، ولابها عرج على شيء إلا على غزو الطائف قبل أن يقسم غنائم حنين وقبل كل شيء وترك السبي بالجعرانة وملئت عرش مكة منهم .

                                                                                                                                                                                                                              وكان مسيره في شوال سنة ثمان ، وقال شداد بن عارض الجشمي - رضي الله عنه - في مسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :


                                                                                                                                                                                                                              لا تنصروا اللات إن الله مهلكها وكيف ينصر من هو ليس ينتصر ؟     إن التي حرقت بالسد فاشتعلت
                                                                                                                                                                                                                              ولم تقاتل لدى أحجارها هدر     إن الرسول متى ينزل بلادكم
                                                                                                                                                                                                                              يظعن وليس بها من أهلها بشر

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق - رحمه الله تعالى - فسلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني من حنين إلى الطائف على نخلة اليمانية ، ثم على قرن ثم على المليح ، ثم على بحرة الرغاء من لية ، فابتنى بها مسجدا فصلى فيه ، وأقاد يومئذ ببحرة الرغاء حين نزلها بدم ، وهو أول دم أقيد به في الإسلام ، أتي برجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل فقتله به . وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بلية بحصن مالك بن عوف فهدم . وصلى الظهر بلية . ثم سلك في طريق يقال لها الضيقة . [ ص: 383 ]

                                                                                                                                                                                                                              فلما توجه إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسأل عن اسمها فقيل : الضيقة ، فقال : بل هي اليسرى فخرج منها على نخب حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة قريبا من مال رجل من ثقيف ، قد تمنع فيه ، فأرسل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إما أن تخرج وإما أن نحرق عليك حائطك فأبى أن يخرج فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإحراقه .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية