الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - ( مسألة ) الفعل المثبت لا يكون عاما في أقسامه ، مثل : " صلى داخل الكعبة " . فلا يعم الفرض والنفل .

            [ ص: 183 ] ومثل : " صلى بعد غيبوبة الشفق " فلا يعم الشفقين ، إلا على رأي .

            وكان يجمع بين الصلاتين في السفر : لا يعم وقتيهما .

            وأما تكرر الفعل فمستفاد من قول الراوي : " كان يجمع " كقولهم : كان حاتم يكرم الضيف .

            وأما دخول أمته فبدليل خارجي ، من قول مثل " صلوا كما رأيتموني أصلي " و " خذوا عني مناسككم " .

            أو قرينة كوقوعه بعد إجمال أو إطلاق أو عموم .

            أو بقوله : ( لقد كان لكم ) .

            أو بالقياس .

            قالوا : قد عمم ، نحو : " سها فسجد " " وأما أنا فأفيض الماء " وغيره .

            قلنا : بما ذكرناه لا بالصيغة .

            التالي السابق


            ش - الفعل الواقع الذي يمكن أن يكون له أقسام وجهات لا يقتضي عمومه في جميع الأقسام والجهات .

            [ ص: 184 ] مثل ما روي أن النبي - عليه السلام - " صلى إذا دخل الكعبة " .

            والصلاة قد تكون فرضا وقد تكون نفلا ، فإنه لا يقتضي صدور الفرض والنفل منه .

            وكما روي أنه عليه السلام - " صلى بعد غيبوبة الشفق " .

            فإن صلاته احتمل أن تقع بعد غيبوبة الشفق الأحمر أو الأصفر ; لأن الشفق يطلق عليهما بالاشتراك اللفظي . فإنه لا يحمل على أنه [ ص: 185 ] صلى بعد غيبوبة الشفقين للاحتياط إلا على رأي من حمل وقوع صلاته بعد غيبوبة الشفقين للاحتياط .

            وكما روي أنه - عليه السلام - " كان يجمع بين الصلاتين في السفر " فإنه يحتمل أنه جمعهما في وقت الصلاة الأولى ، ويحتمل أنه جمعهما في وقت الثانية ، فلا يعم وقتيهما على معنى أنه جمعهما في الوقتين .

            والفرق بين المثال الأول والأخيرين أن الأول عمومه بحسب الأقسام ، والأخيرين عمومهما بحسب الوقت .

            قوله : " وأما تكرر الفعل " إشارة إلى جواب دخل مقدر ، توجيهه أن الفعل يفيد التكرار ، وإفادته التكرار دليل العموم .

            أجاب بأن تكرر الفعل غير مستفاد منه لمحل هو مستفاد من قول الراوي ، فإن قول الراوي : " كان النبي عليه السلام يجمع " يفيد التكرار عرفا ، كقول أهل العرف : كان حاتم يكرم الضيف ، فإنه يفيد تكرار إكرام الضيف .

            قوله : وأما دخول أمته : إشارة إلى جواب دخل آخر .

            [ ص: 186 ] توجيهه أن الفعل يقتضي دخول الأمة فكما صح اقتضاء دخول الأمة فيه صح اقتضاء العموم .

            أجاب بأن الفعل نفسه لا يقتضي دخول الأمة فيه ، بل المقتضي لدخول الأمة فيه هو دليل خارجي ; من قول مثل قوله عليه السلام : " صلوا كما رأيتموني أصلي " .

            وقوله عليه السلام : " خذوا عني مناسككم " .

            أو قرينة مثل وقوع فعله عليه السلام بعد جريان حكم فيه إجمال أو إطلاق أو عموم ، وعرف أنه قصد بيان ذلك المجمل والمطلق والعام .

            أو بقوله تعالي : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة .

            أو بالقياس على فعل النبي ، عليه السلام .

            وقوله : " أو بقوله : " لقد كان " ، عطف على قوله : " بدليل خارجي " .

            [ ص: 187 ] واحتج الخصم بأنه ثبت العموم بالإجماع في مثل : " سها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة فسجد " .

            فيدل على أن فعله يقتضي العموم .

            وأيضا : سئل عن كيفية الاغتسال ، وأحال ذلك على معرفة فعل نفسه فقال : " أما أنا فأفيض الماء على رأسي " .

            وكذلك سئل عن قبلة الصائم . فقال : " أنا أفعل ذلك " .

            [ ص: 188 ] إلى غير ذلك من الأخبار .

            ولو لم يكن الفعل مقتضيا للعموم - لما كان كذلك .

            أجاب بأن العموم مستفاد من كلام الراوي ؛ فإن الراوي لما أدخل الفاء على " سجد " دل على التكرار ; فإن الفاء يقتضي السببية .

            أو غيره من دليل خارجي قول أو قياس ، كما ذكرنا .




            الخدمات العلمية