الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب إذا أسلم على يديه وكان الحسن لا يرى له ولاية وقال النبي صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق ويذكر عن تميم الداري رفعه قال هو أولى الناس بمحياه ومماته واختلفوا في صحة هذا الخبر

                                                                                                                                                                                                        6376 حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن عائشة أم المؤمنين أرادت أن تشتري جارية تعتقها فقال أهلها نبيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يمنعك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب إذا أسلم على يديه ) كذا للنسفي ، وزاد الفربري والأكثر " رجل " ووقع في رواية الكشميهني " الرجل " وبالتنكير أولى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكان الحسن لا يرى له ولاية ) كذا للأكثر ، وفي رواية الكشميهني " ولاء " بالهمز بدل الياء ، من الولاء وهو المراد بالولاية ، وأثر الحسن هذا وهو البصري وصله سفيان الثوري في جامعه عن مطرف عن الشعبي وعن يونس ، وهو ابن عبيد عن الحسن قالا في الرجل يوالي الرجل قالا : هو بين المسلمين ، وقال سفيان : وبذلك أقول .

                                                                                                                                                                                                        وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان ، وكذا رواه الدارمي عن أبي نعيم عن سفيان ، وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا من طريق يونس عن الحسن : لا يرثه ، إلا إن شاء أوصى له بماله .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 47 ] قوله : ( ويذكر عن تميم الداري رفعه : هو أولى الناس بمحياه ومماته ) هذا الحديث أغفله من صنف في الأطراف وكذا من صنف في رجال البخاري ، لم يذكروا تميما الداري فيمن أخرج له ، وهو ثابت في جميع النسخ هنا . وذكر البخاري من روايته حديثا في الإيمان لكن جعله ترجمة باب ، وهو الدين النصيحة وقد أخرجه مسلم من حديثه وليس له عنده غيره ، وقد تكلمت عليه هناك ، وذكرته من حديث أبي هريرة وغيره أيضا فلم يتعين المراد في تميم ، وهو ابن أوس بن خارجة بن سواد اللخمي ثم الداري نسب إلى بني الدار بن لخم ، وكان من أهل الشام ويتعاطى التجارة في الجاهلية ، وكان يهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيقبل منه ، وكان إسلامه سنة تسع من الهجرة ، وقد حدث النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه وهو على المنبر عن تميم بقصة الجساسة والدجال ، وعد ذلك في مناقبه ، وفي رواية الأكابر عن الأصاغر ، وقد وجدت رواية النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غير تميم ، وذلك فيما أخرجه أبو عبد الله بن منده في " معرفة الصحابة " في ترجمة زرعة بن سيف بن ذي يزن فساق بسنده إلى زرعة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إليه كتابا وفيه : " وأن مالك بن مزرد الرهاوي قد حدثني أنك أسلمت وقاتلت المشركين فأبشر بخير ، الحديث .

                                                                                                                                                                                                        وكان تميم الداري من أفاضل الصحابة وله مناقب ، وهو أول من أسرج المساجد وأول من قضى على الناس أخرجهما الطبراني ، وسكن تميم بيت المقدس وكان سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقطعه عيون وغيرها إذا فتحت ففعل فتسلمها بذلك لما فتحت في زمن عمر ، ذكر ذلك ابن سعد وغيره ، ومات تميم سنة أربعين . وقوله : " رفعه " هو في معنى قوله : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحوها ، وقد وصله البخاري في تاريخه وأبو داود .

                                                                                                                                                                                                        وابن أبي عاصم والطبراني والباغندي في " مسند عمر بن عبد العزيز " بالعنعنة كلهم من طريق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال : " سمعت عبيد الله بن موهب يحدث عمر بن عبد العزيز عن قبيصة بن ذؤيب عن تميم الداري قال : قلت : يا رسول الله ، ما السنة في الرجل يسلم على يدي رجل من المسلمين؟ قال : هو أولى الناس بمحياه ومماته .

                                                                                                                                                                                                        قال البخاري : قال بعضهم عن ابن موهب سمع تميما ، ولا يصح لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : الولاء لمن أعتق وقال الشافعي : هذا الحديث ليس بثابت ، إنما يرويه عبد العزيز بن عمر عن ابن موهب ، وابن موهب ليس بالمعروف ، ولا نعلمه لقي تميما ، ومثل هذا لا يثبت ، وقال الخطابي : ضعف أحمد هذا الحديث .

                                                                                                                                                                                                        وأخرجه أحمد والدارمي والترمذي والنسائي من رواية وكيع وغيره عن عبد العزيز عن ابن موهب عن تميم . وصرح بعضهم بسماع ابن موهب من تميم .

                                                                                                                                                                                                        وأما الترمذي فقال : ليس إسناده بمتصل . قال : وأدخل بعضهم بين ابن موهب وبين تميم قبيصة ، رواه يحيى بن حمزة .

                                                                                                                                                                                                        قلت : ومن طريقه أخرجه من بدأت بذكره ، وقال بعضهم إنه تفرد فيه بذكر قبيصة ، وقد رواه أبو إسحاق السبيعي عن ابن موهب بدون ذكر تميم أخرجه النسائي أيضا ، وقال ابن المنذر : هذا الحديث مضطرب : هل هو عن ابن موهب عن تميم أو بينهما قبيصة؟ وقال بعض الرواة فيه عن عبد الله بن موهب وبعضهم : ابن موهب ، وعبد العزيز راويه ليس بالحافظ .

                                                                                                                                                                                                        قلت : هو من رجال البخاري كما تقدم في الأشربة ولكنه ليس بالمكثر ، وأما ابن موهب فلم يدرك تميما ، وقد أشار النسائي إلى أن الرواية التي وقع التصريح فيها بسماعه من تميم خطأ ، ولكن وثقه بعضهم ، وكان عمر بن عبد العزيز ولاه القضاء ، ونقل أبو زرعة الدمشقي في تاريخه بسند له صحيح عن الأوزاعي أنه كان يدفع هذا الحديث ، ولا يرى له وجها ، وصحح هذا الحديث أبو زرعة الدمشقي وقال : " هو حديث حسن المخرج متصل " ، وإلى ذلك أشار البخاري بقوله : واختلفوا في صحة هذا الخبر ، وجزم في " التاريخ " بأنه لا يصح لمعارضته حديث : إنما الولاء لمن أعتق ويؤخذ منه أنه لو صح سنده لما قاوم هذا الحديث ، وعلى التنزل فتردد في الجمع هل يخص عموم [ ص: 48 ] الحديث المتفق على صحته بهذا فيستثنى منه من أسلم أو تؤول الأولوية في قوله : " أولى الناس " بمعنى النصرة والمعاونة وما أشبه ذلك لا بالميراث ويبقى الحديث المتفق على صحته على عمومه؟ جنح الجمهور إلى الثاني ورجحانه ظاهر ، وبه جزم ابن القصار فيما حكاه ابن بطال فقال : لو صح الحديث لكان تأويله أنه أحق بموالاته في النصر والإعانة والصلاة عليه إذا مات ونحو ذلك ، ولو جاء الحديث بلفظ أحق بميراثه لوجب تخصيص الأول والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قال ابن المنذر : قال الجمهور بقول الحسن في ذلك ، وقال حماد وأبو حنيفة وأصحابه وروي عن النخعي أنه يستمر إن عقل عنه ، وإن لم يعقل عنه فله أن يتحول لغيره واستحق الثاني وهلم جرا ، وعن النخعي قول آخر : ليس له أن يتحول ، وعنه إن استمر إلى أن مات تحول عنه ، وبه قال إسحاق وعمر بن عبد العزيز ، ووقع ذلك في طريق الباغندي التي أسلفتها ، وفي غيرها أنه أعطى رجلا أسلم على يديه رجل فمات وترك مالا وبنتا نصف المال الذي بقي بعد نصيب البنت .

                                                                                                                                                                                                        ثم ذكر المصنف حديث ابن عمر في قصة بريرة من أجل قوله فيه : فإن الولاء لمن أعتق ؛ لأن اللام فيه للاختصاص أي الولاء مختص بمن أعتق ، وقد تقدم توجيهه . وقوله فيه : " لا يمنعك " وقع في رواية الكشميهني : " لا يمنعنك " بالتأكيد .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية