الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        690 650 - عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " والذي نفسي بيده ، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك . إنما يذر شهوته وطعامه وشرابه من أجلي . فالصيام لي وأنا أجزي به ، كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فهو لي وأنا [ ص: 248 ] أجزي به " .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        14736 - قوله : " لخلوف فم الصائم " يعني ما يعتريه في آخر النهار من التغير ، وأكثر ذلك في شدة الحر .

                                                                                                                        14737 - وقوله : " أطيب عند الله من ريح المسك " يريد أزكى عند الله [ ص: 249 ] وأقرب إليه من ريح المسك عندكم ، يحضهم عليه ويرغبهم فيه . وهذا في فضل الطعام ، وثواب الصائم .

                                                                                                                        14738 - وقوله : " الصيام لي وأنا أجزي به " معناه - والله أعلم - أن الصوم لا يظهر من ابن آدم في قول ولا عمل ، وإنما هو نية ينطوي عليها لا يعلمها إلا الله ، وليست مما يظهر فيكتبها الحفظة كما تكتب الذكر والصلاة والصدقة ، وسائر أعمال الظاهر ؛ لأن الصوم في الشريعة ليس هو بالإمساك عن الطعام والشراب دون استشعار النية واعتقاد النية بأن تركه الطعام والشراب والجماع ابتغاء ثواب الله ورغبته فيما ندب إليه تزلفا وقربة منه ، كل ذلك منه إيمانا واحتسابا ، لا يريد به غير الله - عز وجل - .

                                                                                                                        14739 - ومن لم ينو بصومه أنه لله عز وجل فليس بصيام . فلهذا قلنا : إنه لا تطلع عليه الحفظة ؛ لأن التارك للأكل والشرب ليس بصائم في الشرع إلا أن ينوي بفعله ذلك التقرب إلى الله تعالى كما أمره به ورضيه من تركه طعامه وشرابه له وحده لا شريك له ، لا لأحد سواه .

                                                                                                                        14740 - فمعنى قوله : " الصوم لي " - والله أعلم - وكل ما أريد به وجه الله فهو له لكنه ظاهر ، والصوم ليس بظاهر .

                                                                                                                        14741 - وفي قوله : " الصوم لي " فضل عظيم للصوم ؛ لأنه لا يضاف إليه إلا أكرم الأمور ، وأفضل الأعمال ، كما قال : " بيت الله " في الكعبة ، وكما قال تعالى : ونفخت فيه من روحي [ الحجر : 29 ] ، وقيل لعيسى - عليه السلام - : [ ص: 250 ] روح الله . وكما قال : صبغة الله [ البقرة : 138 ] ، وكما قال : وطهر بيتي للطائفين [ الحج : 26 ] ويقال : دين الله ، وبيت الله ، ومثل هذا كثير .

                                                                                                                        14742 - والصوم في لسان العرب الصبر .

                                                                                                                        14743 - قال ابن الأنباري : إنما سمي الصوم صبرا ؛ لأنه حبس النفس عن المطاعم والمشارب والمناكح والشهوات .

                                                                                                                        14744 - وقال : قال - عليه السلام - : " من صام شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر فكأنما صام الدهر " يعني بشهر الصبر : شهر رمضان .

                                                                                                                        14745 - وقد يسمى الصائم سائحا ، ومنه قوله تعالى : السائحون [ التوبة : 112 ] . يعني الصائمين المصلين . ومنه قوله تعالى : عابدات سائحات [ التحريم : 5 ] .

                                                                                                                        14746 - وللصوم وجوه في لسان العرب .




                                                                                                                        الخدمات العلمية