الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الكلام على المقاصد : وفيه ستة أبواب :

                                                                                                                الأول : في موجبات الوضوء ، وهي ثلاثة وعشرون موجبا ، وهي على قسمين : أسباب ، ومظنات لتلك الأسباب .

                                                                                                                القسم الأول : السبب ، والسبب في اللغة : الحبل ، ومنه قوله تعالى : ( فليمدد بسبب إلى السماء ) أي فليمدد بحبل إلى سقف بيته ، فإن السقف يسمى سماء أيضا لعلوه ، ثم يستعمل في العلل لكون العلة موصلة للمعلول كما يوصل الحبل إلى الماء في البئر ، وفي العلم أيضا لكونه موصلا للهداية ، ومنه قوله تعالى : ( وآتيناه من كل شيء سببا ) أي علما يهتدي به .

                                                                                                                السبب الأول : الفضلة الخارجة من الدبر ، وتسمى غائطا ، ونجوا ، وبرازا ، وخلاء ، فالغائط أصله المكان المطمئن من الأرض ، والنجو جمع نجوة ، وهي المكان المرتفع ، والبراز بفتح الباء ما بعد عن العمارة من المواضع ، ومنه برز الفارس لقرنه ، وبرزت الثمرة من أكمامها ، والخلاء : الموضع الخالي من الناس .

                                                                                                                ولما كانت الفضلة توضع في الأول ويستتر بها بالثاني ويذهب بسببها للثالث والرابع استتارا عن أعين الناس سميت بجميع ذلك للملازمة ، ومن [ ص: 213 ] تسميتها بالرابع قوله عليه السلام : ( اتقوا اللاعنين قالوا يا رسول الله : وما اللاعنان قال : الذي يتخلى في طرق الناس ، وظلالهم ) .

                                                                                                                الثاني : البول .

                                                                                                                الثالث : الريح الخارج من الدبر خلافا ش في اعتباره الخارج من الذكر ، وفرج المرأة ، وإن كان نادرا .

                                                                                                                الرابع : الودي بالذال المعجمة ، والمهملة ، وسكونها ، وتخفيف الياء ، وكسرها ، وتشديد الياء ، ويقال : ودى ، وأودى ، وهو الماء الأبيض الخارج عقيب البول بغير لذة ، والأصل في هذه الأربعة قوله تعالى : ( أو جاء أحد منكم من الغائط ) معناه : أو جاء أحدكم من المكان المطمئن ، فجعل تعالى الإتيان منه كناية عما يخرج فيه عدولا عن الفحش من القول ، والخارج غالبا في ذلك المكان هو هذه الأربعة ، فوجب أن تكون أسبابا .

                                                                                                                الخامس : المذي بالذال المعجمة ، وسكونها ، وتخفيف الياء ، وكسر الذال ، وتشديد الياء ، ويقال : مذى ، وأمذى ، وهو الماء الأصفر الخارج مع اللذة القليلة ، والأصل فيه ما في الموطأ ، وغيره أن علي بن أبي طالب أمر المقداد أن يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل إذا دنا من أهله ، فخرج المذي منه ماذا عليه ، قال : علي رضي الله عنه ، فإن عندي ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإني أستحي أن أسأله ، قال : المقداد ، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فقال : ( إذا وجد أحدكم ذلك ، فلينضح فرجه ، وليتوضأ وضوءه للصلاة ) .

                                                                                                                والمراد بالنضح ها هنا الغسل فيجب غسل الذكر قبل الوضوء ، وهل يفتقر إلى النية ؛ لأنه عبادة لوجوب غسل ما لم تمسه نجاسة ، أو لا يفتقر إلى النية لكون الغسل معللا بقطع أصل المذي ؟ - قولان .

                                                                                                                [ ص: 214 ] السادس : الماء الأبيض يخرج من الحامل ، ويعرف بالهادي يجتمع في وعاء له يخرج عند وضع الحمل ، أو موجب السقط قال ابن القاسم في العتبية : يجب منه الوضوء قال الأبهري في شرح المختصر : لأنه بمنزلة البول . قال صاحب البيان : الأحسن عدم الوجوب لكونه ليس معتادا .

                                                                                                                السابع : الصفرة ، والكدرة من الحيض . قال المازري : هما حيض إن تباعد بينهما ، وبين الطهر ، وما عقيبه ، ومضى من الزمان ما يكون طهرا أوجب الوضوء دون الغسل عند عبد الملك ، ووجهه قول أم عطية : كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر . قال ابن يونس : وتسمى هذه الترية ، قال صاحب الخصال : وكذلك إذا خرجا عقيب النفاس .

                                                                                                                الثامن : الحقن الشديد ، ويقال : الحاقن لمدافع البول ، والحاقب لمدافع الغائط ، وكذلك يقال : للفضلتين الحقبة ، والحقنة قال في الكتاب : إن صلى وهو يدافع الحدث يعيد بعد الوقت قال ابن بشير : قال الأشياخ : إن منعه ذلك من إتمام الفروض أعاد بعد الوقت ، أو من إتمام السنن أعاد في الوقت ، وينبغي أن يختلف فيه كما اختلف في متعمد تارك السنن هل يعيد بعد الوقت أم لا ، وإن منعه من الفضائل لا يعيد في الوقت ، ولا بعده ، فمتى كان بحيث يبطل الصلاة أوجب الوضوء ، ومتى كان يوجب إعادة الصلاة في الوقت استحب منه الوضوء .

                                                                                                                التاسع : قال صاحب الخصال : القرقرة الشديدة توجب الوضوء ، وينبغي أن يتخرج ذلك على تفضيل ابن بشير . فهذه الموجبات إن خرجت عن العادة ، واستغرقت الزمان ، فلا يشرع الوضوء منها ; لأن مقصوده أن يوقع الصلاة بطهارة ليس بعدها حدث ، وقد تعذر ذلك ، وإن لم تستغرق الزمان ، ففيها ثلاث حالات .

                                                                                                                الأولى : أن يستنكح ، ويكثر تكراره فيسقط إيجابه عند مالك - رحمه الله - كما [ ص: 215 ] قال في الكتاب خلافا ش ، و ح ؛ لما في السنن : أن رجلا قال للنبي عليه السلام : إن بي الناسور يسيل مني ، فقال عليه السلام : ( إذا توضأت ، فسال من فرقك إلى قدمك فلا وضوء عليك ) وقياسا على دم الحيض ، فإنه يوجب الغسل ، فإن خرج عن العادة لم يوجبه ، وهو دم الاستحاضة ، وروي عن مالك - رحمه الله - إيجابه ، وإن تكرر نظرا لجنسه ، وإذا سقط الإيجاب بقي الندب ، ومراعاة للجنس ، والخلاف .

                                                                                                                فرعان مرتبان :

                                                                                                                الأول : قال صاحب الطراز : إذا استحب له الوضوء استحب له غسل فرجه قياسا عليه ، وكذلك المستحاضة ، وقال سحنون : لا يستحب ; لأن النجاسة أخف من الحدث بدليل أن صاحب الجرح لا يستحب له غسل اليسير من دمه ، ويستحب الوضوء من يسير السلس .

                                                                                                                الثاني : قال أبو العباس الإبياني : يبدل الخرقة ، أو يغسلها عند الصلاة ، وقال سحنون : ليس عليه ذلك ، وغسل الفرج أهون ، فإن زيد بن ثابت رضي الله عنه كان به سلس البول حين كبر ، وما كان يزيد عن الوضوء .

                                                                                                                الحالة الثانية : أن يكون زمان وجوده أقل ، وفي الجواهر : فيجب منه الوضوء عملا بالأصل السالم عن الضرورة ، وعند العراقيين لا يجب ; لأن الله تعالى إنما خاطب عباده بالمعتاد إذ هو غالب التخاطب ، وهذا ليس بمعتاد ، ويؤكد هذا حمل الألفاظ في التكاليف ، والوصايا ، والأوقاف ، والمعاملات على الغالب بالإجماع .

                                                                                                                الحالة الثالثة : أن يستوي الحالان ، وفي الجواهر : فيجب الوضوء لعدم المشقة ، وقيل : لا يجب لخروجه عن العادة . فروع أربعة :

                                                                                                                الأول : إذا كثر المذي للعزبة ، ففي الكتاب : عليه الوضوء لخروجه على [ ص: 216 ] وجه الصحة ، وقال بعض العراقيين : لا وضوء عليه لخروجه عن العادة . قال صاحب الطراز : والمدار عند ابن حبيب في هذا على وجود اللذة ، فإن وجدت وجب الوضوء ، وإلا فلا ، وهذا يشهد له المني ، فإنه إذا كان لطول العزبة بغير لذة لا يوجب غسلا قال : وقال ابن الجلاب والتونسي : إن كان يقدر على النكاح ، أو التسري وجب ، ولم يفصلا ، والأشبه التفصيل ، ويلزم ابن الجلاب أن يراعي في سلس البول القدرة على التداوي .

                                                                                                                الثاني : في الجواهر : إذا لم يجب الوضوء بالسلس هل يسقط حكمه باعتبار غيره حتى يؤم به ؟ قولان منشؤهما أن الشرع أسقط اعتباره ، فتجوز الإمامة به ، والقياس على إمامة المتيمم ، وهو محدث بالمتوضئ ، وينظر إلى اختصاص السبب المسقط لاعتباره بصاحبه ، وهو الضرورة ، فلا يثبت الحكم في غير محل العلة بدونها .

                                                                                                                الثالث : قال : إذا خرج المعتاد الموجب على العادة من غير المخرج ، فللمتأخرين في نقض الوضوء به قولان نظرا لجنسه ، أو لكون محله غير معتاد ، والله تعالى إنما خاطب عباده بالمعتاد .

                                                                                                                الرابع : قال في المدونة : قال يحيى بن سعيد : إذا كان الناسور يطلع في كل حين ، ويرده بيده ، فليس عليه إلا غسل يده ، فإن كثر ذلك سقط غسل اليد .

                                                                                                                ويروى بالنون ، وهو عربي ، وبالباء ، وهو عجمي حكاه الزبيدي ، وبالباء : وجع المقعدة ، وتورمها من داخل ، وخروج الثآليل ، وبالنون انتفاخ عروقها ، وجريان الدم ومادتها ، وقيل : بالباء للمقعدة ، وبالنون للأنف ، الأعلى للأعلى ، والأسفل للأسفل ، فإن النون ينقط أعلاها ، والباء أسفلها .

                                                                                                                قال صاحب الطراز : فعند الشافعي - رحمه الله - يجب الوضوء لمسه دبره ها هنا ، وعند حمديس من أصحابنا يفرق بين أن يتكرر فلا ينقض ، أو لا فينقض ، وإذا قلنا بعدم النقض ، فتنجس اليد ; لأن بلة الفرج نجسة ، وعند من يقول [ ص: 217 ] بطهارتها إلحاقا لها بالعرق لخروجها من مسام الجلد تكون اليد طاهرة .

                                                                                                                العاشر : في التلقين : الردة خلافا ش لقوله تعالى : ( لئن أشركت ليحبطن عملك ) ، ونحوه بعد الرجوع إلى الإسلام لبطلان الوضوء السابق فيصير محدثا . قال المازري : لا يبطل الوضوء .

                                                                                                                ومستند هذا القول ، وهو قول الشافعي - رحمه الله - قوله تعالى : ( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) .

                                                                                                                تحقيق : القاعدة الأصولية أن المطلق يحمل على المقيد ، فتحمل الآية الأولى على الثانية ، فلا يحصل الحبوط بمجرد الردة حتى يتصل بها الموت .

                                                                                                                والجواب لمالك - رحمه الله - : أن الآية رتب فيها أمران ، وهما حبوط العمل ، والخلود في النار على أمرين ، وهما الردة ، والوفاة عليها ، فجاز أن يكون الأول للأول ، والثاني للثاني ، فلم يتعين صرف الآية الأولى للثانية لعدم التعارض ، ولا يكونان من باب المطلق ، والمقيد كما لو قيل : فمن جاهد منكم فيمت ، فله الغنيمة ، والشهادة . فإن هذا القول حق ، وليس الموت شرطا في الغنيمة إجماعا . الحادي عشر : في الجواهر : الشك في الحدث بعد الطهارة في حق غير الموسوس يوجب الوضوء خلافا ش ، و ح ، وهي رواية ابن القاسم في الكتاب ، وروي عنه في غيره الاستصحاب ، فأجرى القاضيان أبو الفرج ، وأبو الحسن ، والأبهري رواية ابن القاسم على ظاهرها ، وحملها أبو يعقوب الرازي على الندب ، وكذلك إذا شك في الطهارة ، والحدث جميعا ، أو تيقنهما جميعا ، وشك في المتقدم ، أو [ ص: 218 ] تيقن الحدث ، وشك في الطهارة ، أو بعضها ، وعلم تأخرها ، أو شك فيه ، أو علم تقدمها ، وشك في طرو الحدث .

                                                                                                                وأما الموسوس : فأطلق ابن شاس - رحمه الله - القول باعتبار أول خواطره لأنه حينئذ في حيز العقلاء ، وقال عبد الحق ، والتونسي ، واللخمي : إذا تيقن الحدث ، وشك في الطهارة توضأ ، وإن كان موسوسا ، وعكسه يعفى عن الموسوس ، والفرق استصحاب الأصل السابق .

                                                                                                                وقال اللخمي : إذا تيقن الطهارة ، وشك في الحدث ، وهو غير موسوس ، ففيه خمسة أقوال : الوجوب ، والندب ، والتفرقة بين أن يكون في صلاة أم لا ، والثلاثة لمالك - رحمه الله - ، وعند ابن حبيب الشك في الريح ملغى ، وفي البول ، والغائط معتبر ، وفرق أيضا بين الشك في الزمن الماضي ، وبين الشك في الحال في الريح ، فقال : في الماضي يجب ، وفي الحاضر لا يجب إذا كان مجتمع الحس . قال صاحب الطراز : وهذه التفرقة ظاهر المذهب ؛ لما في الترمذي ، وأبي داود : ( إذا كان أحدكم في المسجد ، فوجد ريحا بين ألييه ، فلا يخرج حتى يسمع صوتا ، أو يجد ريحا ) قال الترمذي : حديث صحيح . فروع متناقضة : قال مالك - رحمه الله - فيمن شك في الطهارة : عليه الوضوء ، فاعتبر الشك ، وقال فيمن شك هل طلق أم لا : لا شيء عليه ، فألغى الشك ، وفيمن شك هل صلى ثلاثا ، أو أربعا يبني على ثلاث ، ويسجد بعد السلام ، فاعتبر الشك ، وقال فيمن شك هل سها أم لا : لا شيء عليه ، وألغى الشك ، وقال فيمن شك هل رأى هلال رمضان : لا يصوم ، فألغاه ، ونظائر ذلك كثيرة في المذهب ، والشريعة ، فعلى الفقيه أن يعلم السر في ذلك .

                                                                                                                قاعدة : الأصل ألا يعتبر في الشرع إلا العلم لقوله تعالى : ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) لعدم الخطأ فيه قطعا ، لكن تعذر العلم في أكثر الصور ، فجوز [ ص: 219 ] الشرع اتباع الظنون لندرة خطئها ، وغلبة إصابتها ، وبقي الشك على مقتضى الأصل ، فكل مشكوك فيه ليس بمعتبر ، ويجب اعتبار الأصل السابق على الشك ، فإن شككنا في السبب لم نرتب المسبب ، أو في الشرط لم نرتب المشروط ، أو في المانع لم ننف الحكم ، فهذه القاعدة مجمع عليها لا تنتقض .

                                                                                                                وإنما وقع الخلاف بين العلماء في وجه استعمالها ، فالشافعي - رحمه الله - يقول : الطهارة متيقنة ، والمشكوك فيه ملغى ، فنستصحبها ، مالك - رحمه الله - يقول : شغل الذمة بالصلاة متيقن يحتاج إلى سبب مبرئ ، والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط فيقع الشك في الصلاة الواقعة بالطهارة المشكوك فيها ، وهي السبب المبرئ ، والمشكوك فيه ملغى فيستصحب شغل الذمة .

                                                                                                                وكذلك : إذا شك في عدد صلواته ، فقد شك في السبب المبرئ فيستصحب شغل الذمة حتى يأتي المكلف بسبب مبرئ ، وكذلك العصمة متيقنة ، والشك في السبب الواقع فيستصحبها ، وكذلك يجب على الفقيه تخريج فروع هذه القاعدة .

                                                                                                                تتميم : قد يكون الشك نفسه سببا كما يجب السجود بعد السلام على الشك ، فالسبب ها هنا معلوم ، وهو الشك ، فإن الشاك يقطع بأنه شاك ، والذي انعقد الإجماع على إلغائه هو المشكوك فيه لا الشك ، فلا يلتبس عليك ذلك .

                                                                                                                فرع : قال صاحب الطراز : إذا صلى شاكا في الطهارة ، ثم تذكرها قال مالك : صلاته تامة ; لأن الشرط الطهارة ، وهي حاصلة في نفس الأمر سواء علمت أم لا ، وقال الأشهب ، وسحنون : هي باطلة ؛ لأنه غير عامل على قصد الصحة . الثاني عشر : المني يخرج بعد الغسل ، قال مالك - رحمه الله - : ليس فيه إلا الوضوء ، وقال صاحب الطراز : أوجب سحنون مرة به الغسل ، ومرة الوضوء ، وقال في الجواهر : في وجوبه - يعني الوضوء - قولان : الوجوب للبغداديين ، واستحسنه ابن الجلاب ، وهو ملحق بدم الاستحاضة الذي ورد الحديث فيه [ ص: 220 ] بجامع إيجاب حيضها للغسل ، فكما أوجب أحدهما الوضوء حالة قصوره عن الغسل يوجب الآخر .

                                                                                                                الثالث عشر : دم الاستحاضة : يستحب منه الوضوء عند مالك - رحمه الله - خلافا ش ، و ح ، وقال ابن أبي زيد في الرسالة : يجب منه الوضوء ، وفي الموطأ أن امرأة كانت تهراق الدماء في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتت لها أم سلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عليه السلام : ( لتنظر إلى عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها ، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر ، فإذا خلفت ذلك ، فلتغتسل ، ولتستتر بثوب ، ثم لتصل ) . قال أبو داود : زاد عروة ، ثم تتوضأ لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت . قال صاحب الطراز : ويدل على عدم وجوبه اتفاق الجميع على أنه خرج في الصلاة أكملتها ، وأجزأت عنها ، قال : والفرق بينه ، وبين المني الخارج بعد الغسل على أحد القولين لزوم الخروج بخلاف المني ، وإنما بابه سلس البول لاشتراكهما في المرض ، ولو خرجت فضلة المني في الصلاة أبطلتها اتفاقا بخلاف سلسه ، ودم الاستحاضة .

                                                                                                                الرابع عشر : رفض النية : كما إذا عزم على النوم ، فلم ينم . قال صاحب الطراز : ظاهر الكتاب يقتضي عدم الوجوب لقوله فيمن وطئ زوجته بين فخذيها لا غسل عليهما إلا أن ينزلا ، وفي مختصر ابن شعبان أنه يتوضأ .

                                                                                                                وجه الأول : أن المقصود من النية تخصيص العمل لله تعالى ، وقد حصل ذلك ، والثاني : مبني على أن النية كجزء الطهارة ، وذهاب الجزء يقتضي ذهاب الحقيقة المركبة ، ولأن العزم على منافي الطهارة ينافي النية الفعلية ، فأولى أن ينافي الحكمية .

                                                                                                                الخامس عشر : رؤية الماء بعد التيمم ، وقبل الصلاة يوجب استعماله ، وبطلان الإباحة السابقة ; لأن الإقدام على الصلاة بالتيمم مشروط بدوام عدم الماء إلى الشروع فيها على ما يأتي تقريره في باب التيمم إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية