[ ص: 67 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=126أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون
عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=125فزادتهم رجسا إلى رجسهم إلى آخره فهي من تمام التفصيل .
وقدمت همزة الاستفهام على حرف العطف على طريقة تصدير أدوات الاستفهام . والتصدير للتنبيه على أن الجملة في غرض الاستفهام .
والاستفهام هنا إنكار وتعجيب لعدم رؤيتهم فتنتهم فلا تعقبها توبتهم ولا تذكرهم أمر ربهم . والغرض من هذا الإنكار هو الاستدلال على ما تقدم من ازدياد كفر المنافقين وتمكنه كلما نزلت سورة من القرآن بإيراد دليل واضح ينزل منزلة المحسوس المرئي حتى يتوجه الإنكار على من لا يراه .
والفتنة : اختلال نظام الحالة المعتادة للناس واضطراب أمرهم ، مثل الأمراض المنتشرة ، والتقاتل ، واستمرار الخوف . وقد تقدم ذكرها عند قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=191والفتنة أشد من القتل وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة في سورة البقرة .
فمعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=126أنهم يفتنون أن الله يسلط عليهم المصائب والمضار تنال جماعتهم مما لا يعتاد تكرر أمثاله في حياة الأمم بحيث يدل تكرر ذلك على أنه مراد منه إيقاظ الله الناس إلى سوء سيرتهم في جانب الله تعالى ، بعدم اهتدائهم إلى الإقلاع عما هم فيه من العناد للنبيء - صلى الله عليه وسلم - فإنهم لو رزقوا التوفيق لأفاقوا من غفلتهم ، فعلموا أن ما يحل بهم كل عام ما طرأ عليهم إلا من وقت تلبسهم بالنفاق .
ولا شك أن الفتنة التي أشارت إليها الآية كانت خاصة بأهل النفاق من أمراض تحل بهم ، أو متالف تصيب أموالهم ، أو جوائح تصيب ثمارهم ، أو نقص من أنفسهم ومواليدهم ; فإذا حصل شيئان من ذلك في السنة كانت الفتنة مرتين .
وقرأ الجمهور
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=126أولا يرون بالمثناة التحتية . وقرأ
حمزة ويعقوب أولا ترون بالمثناة الفوقية على أن الخطاب للمسلمين ، فيكون من تنزيل الرائي منزلة غيره حتى ينكر عليه عدم رؤيته ما لا يخفى .
[ ص: 68 ] و ( ثم ) للترتيب الرتبي لأن المعطوف بها هو زائد - في رتبة التعجيب من شأنه - على المعطوف عليه ، فإن حصول الفتنة في ذاته عجيب ، وعدم اهتدائهم للتدارك بالتوبة والتذكر أعجب . ولو كانت ( ثم ) للتراخي الحقيقي لكان محل التعجيب من حالهم هو تأخر توبتهم وتذكرهم .
وأتي بجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=126ولا هم يذكرون مبتدأة باسم أسند إليه فعل ولم يقل : ولا يذكرون ، قصدا لإفادة التقوى ، أي انتفاء تذكرهم محقق .
[ ص: 67 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=126أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=125فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ إِلَى آخِرِهِ فَهِيَ مِنْ تَمَامِ التَّفْصِيلِ .
وَقُدِّمَتْ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى حَرْفِ الْعَطْفِ عَلَى طَرِيقَةِ تَصْدِيرِ أَدَوَاتِ الِاسْتِفْهَامِ . وَالتَّصْدِيرُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ فِي غَرَضِ الِاسْتِفْهَامِ .
وَالِاسْتِفْهَامُ هُنَا إِنْكَارٌ وَتَعْجِيبٌ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِمْ فِتْنَتَهُمْ فَلَا تَعْقُبُهَا تَوْبَتُهُمْ وَلَا تَذَكُّرُهُمْ أَمْرَ رَبِّهِمْ . وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا الْإِنْكَارِ هُوَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنِ ازْدِيَادِ كُفْرِ الْمُنَافِقِينَ وَتَمَكُّنِهِ كُلَّمَا نَزَلَتْ سُورَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ بِإِيرَادِ دَلِيلٍ وَاضِحٍ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمَحْسُوسِ الْمَرْئِيِّ حَتَّى يَتَوَجَّهَ الْإِنْكَارُ عَلَى مَنْ لَا يَرَاهُ .
وَالْفِتْنَةُ : اخْتِلَالُ نِظَامِ الْحَالَةِ الْمُعْتَادَةِ لِلنَّاسِ وَاضْطِرَابُ أَمْرِهِمْ ، مِثْلُ الْأَمْرَاضِ الْمُنْتَشِرَةِ ، وَالتَّقَاتُلِ ، وَاسْتِمْرَارِ الْخَوْفِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=191وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
فَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=126أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ أَنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ عَلَيْهِمُ الْمَصَائِبَ وَالْمَضَارَّ تَنَالُ جَمَاعَتَهُمْ مِمَّا لَا يُعْتَادُ تَكَرُّرُ أَمْثَالِهِ فِي حَيَاةِ الْأُمَمِ بِحَيْثُ يَدُلُّ تَكَرُّرُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ مِنْهُ إِيقَاظُ اللَّهِ النَّاسَ إِلَى سُوءِ سِيرَتِهِمْ فِي جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى ، بِعَدَمِ اهْتِدَائِهِمْ إِلَى الْإِقْلَاعِ عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعِنَادِ لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُمْ لَوْ رُزِقُوا التَّوْفِيقَ لَأَفَاقُوا مِنْ غَفْلَتِهِمْ ، فَعَلِمُوا أَنَّ مَا يَحِلُّ بِهِمْ كُلَّ عَامٍ مَا طَرَأَ عَلَيْهِمْ إِلَّا مِنْ وَقْتِ تَلَبُّسِهِمْ بِالنِّفَاقِ .
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفِتْنَةَ الَّتِي أَشَارَتْ إِلَيْهَا الْآيَةُ كَانَتْ خَاصَّةً بِأَهْلِ النِّفَاقِ مِنْ أَمْرَاضٍ تَحِلُّ بِهِمْ ، أَوْ مَتَالِفَ تُصِيبُ أَمْوَالَهُمْ ، أَوْ جَوَائِحَ تُصِيبُ ثِمَارَهُمْ ، أَوْ نَقْصٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمَوَالِيدِهِمْ ; فَإِذَا حَصَلَ شَيْئَانِ مِنْ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ كَانَتِ الْفِتْنَةُ مَرَّتَيْنِ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=126أَوَلَا يَرَوْنَ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ . وَقَرَأَ
حَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ أَوَلَا تَرَوْنَ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ لِلْمُسْلِمِينَ ، فَيَكُونُ مِنْ تَنْزِيلِ الرَّائِي مَنْزِلَةَ غَيْرِهِ حَتَّى يُنْكِرَ عَلَيْهِ عَدَمَ رُؤْيَتِهِ مَا لَا يَخْفَى .
[ ص: 68 ] وَ ( ثُمَّ ) لِلتَّرْتِيبِ الرُّتْبِيُّ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ بِهَا هُوَ زَائِدٌ - فِي رُتْبَةِ التَّعْجِيبِ مِنْ شَأْنِهِ - عَلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ، فَإِنَّ حُصُولَ الْفِتْنَةِ فِي ذَاتِهِ عَجِيبٌ ، وَعَدَمَ اهْتِدَائِهِمْ لِلتَّدَارُكِ بِالتَّوْبَةِ وَالتَّذَكُّرِ أَعْجَبُ . وَلَوْ كَانَتْ ( ثُمَّ ) لِلتَّرَاخِي الْحَقِيقِيِّ لَكَانَ مَحَلُّ التَّعْجِيبِ مِنْ حَالِهِمْ هُوَ تَأَخُّرَ تَوْبَتِهِمْ وَتَذَكُّرِهِمْ .
وَأُتِيَ بِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=126وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ مُبْتَدَأَةً بِاسْمٍ أُسْنِدَ إِلَيْهِ فِعْلٌ وَلَمْ يَقُلْ : وَلَا يَذَكَّرُونَ ، قَصْدًا لِإِفَادَةِ التَّقْوَى ، أَيِ انْتِفَاءُ تَذَكُّرِهِمْ مُحَقَّقٌ .