الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 67 ] أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون

عطف على جملة فزادتهم رجسا إلى رجسهم إلى آخره فهي من تمام التفصيل .

وقدمت همزة الاستفهام على حرف العطف على طريقة تصدير أدوات الاستفهام . والتصدير للتنبيه على أن الجملة في غرض الاستفهام .

والاستفهام هنا إنكار وتعجيب لعدم رؤيتهم فتنتهم فلا تعقبها توبتهم ولا تذكرهم أمر ربهم . والغرض من هذا الإنكار هو الاستدلال على ما تقدم من ازدياد كفر المنافقين وتمكنه كلما نزلت سورة من القرآن بإيراد دليل واضح ينزل منزلة المحسوس المرئي حتى يتوجه الإنكار على من لا يراه .

والفتنة : اختلال نظام الحالة المعتادة للناس واضطراب أمرهم ، مثل الأمراض المنتشرة ، والتقاتل ، واستمرار الخوف . وقد تقدم ذكرها عند قوله : والفتنة أشد من القتل وقوله : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة في سورة البقرة .

فمعنى أنهم يفتنون أن الله يسلط عليهم المصائب والمضار تنال جماعتهم مما لا يعتاد تكرر أمثاله في حياة الأمم بحيث يدل تكرر ذلك على أنه مراد منه إيقاظ الله الناس إلى سوء سيرتهم في جانب الله تعالى ، بعدم اهتدائهم إلى الإقلاع عما هم فيه من العناد للنبيء - صلى الله عليه وسلم - فإنهم لو رزقوا التوفيق لأفاقوا من غفلتهم ، فعلموا أن ما يحل بهم كل عام ما طرأ عليهم إلا من وقت تلبسهم بالنفاق .

ولا شك أن الفتنة التي أشارت إليها الآية كانت خاصة بأهل النفاق من أمراض تحل بهم ، أو متالف تصيب أموالهم ، أو جوائح تصيب ثمارهم ، أو نقص من أنفسهم ومواليدهم ; فإذا حصل شيئان من ذلك في السنة كانت الفتنة مرتين .

وقرأ الجمهور أولا يرون بالمثناة التحتية . وقرأ حمزة ويعقوب أولا ترون بالمثناة الفوقية على أن الخطاب للمسلمين ، فيكون من تنزيل الرائي منزلة غيره حتى ينكر عليه عدم رؤيته ما لا يخفى .

[ ص: 68 ] و ( ثم ) للترتيب الرتبي لأن المعطوف بها هو زائد - في رتبة التعجيب من شأنه - على المعطوف عليه ، فإن حصول الفتنة في ذاته عجيب ، وعدم اهتدائهم للتدارك بالتوبة والتذكر أعجب . ولو كانت ( ثم ) للتراخي الحقيقي لكان محل التعجيب من حالهم هو تأخر توبتهم وتذكرهم .

وأتي بجملة ولا هم يذكرون مبتدأة باسم أسند إليه فعل ولم يقل : ولا يذكرون ، قصدا لإفادة التقوى ، أي انتفاء تذكرهم محقق .

التالي السابق


الخدمات العلمية