الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا أبو حامد ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا إبراهيم بن هانئ ، ثنا سعيد بن أبي مريم ، ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة ، أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى بعض عماله : أما بعد ، فإني أوصيك بتقوى الله ، ولزوم طاعته ، فإن بتقوى الله نجا أولياء الله من سخطه ، وبها تحقق لهم ولايته ، وبها رافقوا أنبياءهم ، وبها نضرت وجوههم ، وبها نظروا إلى خالقهم ، وهي عصمة في الدنيا من الفتن ، والمخرج من كرب يوم القيامة ، ولم يقبل ممن بقي إلا بمثل ما رضي عمن مضى ، ولمن بقي عبرة فيما مضى ، وسنة الله فيهم واحدة ، فبادر بنفسك قبل أن تؤخذ بكظمك ، ويخلص إليك كما خلص إلى من كان قبلك ، فقد رأيت الناس كيف يموتون ، وكيف يتفرقون ، ورأيت الموت كيف يعجل التائب توبته ، وذا الأمل أمله ، وذا السلطان سلطانه ، وكفى بالموت موعظة بالغة ، وشاغلا عن الدنيا ، ومرغبا في الآخرة ، فنعوذ بالله من شر الموت وما بعده ، ونسأل الله خيره وخير ما بعده ، ولا تطلبن شيئا من عرض الدنيا بقول ولا فعل تخاف أن يضر بآخرتك ، فيزري بدينك ، ويمقتك عليه ربك ، واعلم أن القدر سيجري إليك برزقك ، ويوفيك أملك من دنياك بغير مزيد فيه بحول منك ولا قوة ، ولا منقوصا منه بضعف ، إن أبلاك الله بفقر ، فتعفف في فقرك ، وأخبت لقضاء ربك ، واعتبر بما قسم الله لك من الإسلام ما ذوى منك من نعمة الدنيا ، فإن في الإسلام خلفا من الذهب والفضة من الدنيا الفانية ، اعلم أنه لن يضر عبدا صار إلى رضوان الله وإلى الجنة ما أصابه في الدنيا من فقر [ ص: 279 ] أو بلاء ، وأنه لن ينفع عبدا صار إلى سخط الله وإلى النار ما أصاب في الدنيا من نعمة أو رخاء ، ما يجد أهل الجنة مس مكروه أصابهم في دنياهم ، وما يجد أهل النار طعم لذة نعموا بها في دنياهم ، كل شيء من ذلك كأن لم يكن ، تشيعون غاديا أو رائحا إلى الله ، قد قضى نحبه ، وانقضى أجله ، وتغيبونه في صدع من الأرض ، ثم تدعونه غير متوسد ولا متمهد ، فارق الأحبة ، وخلع الأسلاب ، وسكن التراب ، وواجه الحساب ، مرتهنا بعمله ، فقيرا إلى ما قدم ، غنيا عما ترك ، فاتقوا الله قبل نزول الموت ، وانقضاء موافاته ، وايم الله ، إني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد منكم من الذنوب أكثر مما أعلم عندي ، وأستغفر الله وأتوب إليه .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية