الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الأمر فيما يؤخذ من أموال البغاة

قال أبو بكر : اختلف أهل العلم في ذلك ، فقال محمد في الأصل : " لا يكون غنيمة ويستعان بكراعهم وسلاحهم على حربهم ، فإذا وضعت الحرب أوزارها رد المال عليهم ويرد الكراع أيضا عليهم إذا لم يبق من البغاة أحد ، وما استهلك فلا شيء فيه " وذكر إبراهيم بن الجراح عن أبي يوسف قال : " ما وجد في أيدي أهل البغي من كراع أو سلاح فهو فيء يقسم ويخمس ، وإذا تابوا لم يؤخذوا بدم ولا مال استهلكوه " .

وقال مالك : " ما استهلكه الخوارج [ ص: 283 ] من دم أو مال ثم تابوا لم يؤخذوا به ، وما كان قائما بعينه رد " ، وهو قول الأوزاعي والشافعي . وقال الحسن بن صالح : " إذا قوتل اللصوص المحاربون فقتلوا وأخذ ما معهم فهو غنيمة لمن قاتلهم بعد إخراج الخمس إلا أن يكون شيء يعلم أنهم سرقوه من الناس " .

قال أبو بكر : واختلفت الرواية عن علي - كرم الله وجهه - في ذلك ، فروى فطر بن خليفة عن منذر بن يعلى عن محمد ابن الحنفية قال قسم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه يوم الجمل فيأهم بين أصحابه ما قوتل به من الكراع والسلاح " فاحتج من جعله غنيمة بهذا الحديث ، وهذا ليس فيه دلالة على أنه غنيمة ؛ لأنه جائز أن يكون قسم ما حصل في يده من كراع أو سلاح ليقاتلوا به قبل أن تضع الحرب أوزارها ولم يملكهم ذلك على ما قال محمد في الأصل .

وقد روى عكرمة بن عمار عن أبي زميل عن عبد الله بن الدولي عن ابن عباس أن الخوارج نقموا على علي رضي الله عنه أنه لم يسب ولم يغنم ، فحاجهم بأن قال لهم : " أفتسبون أمكم عائشة ثم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها ؟ فلئن فعلتم لقد كفرتم . "

وروى أبو معاوية عن الصلت بن بهرام عن أبي وائل قال : سألته أخمس علي رضي الله عنه أموال أهل الجمل ؟ قال : لا وقال الزهري : " وقعت الفتنة وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم متوافرون ، وأجمعوا أن كل دم أريق على وجه التأويل أو مال استهلك على وجه التأويل فلا ضمان فيه " . ويدل على أنه لا تغنم أموالهم التي ليست معهم مما تركوه في ديارهم لا تغنم ، وإن قتلوا ، كذلك ما معهم منها ، ألا ترى أن أهل الحرب لا يختلف فيما يغنم من أموالهم ما معهم ، وما تركوه منها في ديارهم أن ما حصل في أيدينا منها مغنوم ؟ وأنه لا خلاف أنه لا تسبى ذراريهم ونساؤهم ولا تملك رقابهم ؟ فكذلك لا تغنم أموالهم .

فإن قيل : مشركو العرب لا تملك رقابهم وتغنم أموالهم قيل له : لأنهم يقتلون إذا أسروا ، وإن لم يسلموا وتسبى ذراريهم ونساؤهم ، فلذلك غنمت أموالهم والخوارج إذا لم تبق لهم منعة لا يقتل أسراهم ولا تسبى ذراريهم بحال ، فكذلك لا تغنم أموالهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية