الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
رواية أبي داود وابن ماجه لحديث أبي رزين

فروى أبو داود وابن ماجه عن أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله، أكلنا يرى ربه مخليا به يوم القيامة؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال: يا أبا رزين، أليس كلكم يرى القمر ليلة البدر مخليا به؟ قلت: بلى. قال: فإنما هو خلق من خلق الله تعالى، فالله أعظم. وقد روي مبسوطا من وجه آخر كما رواه أبو بكر بن خزيمة في كتاب التوحيد الذي اشترط فيه أنه لا يحتج إلا بما ثبت من الأحاديث، ورواه [ ص: 47 ] من حديث عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن قال: ثنا عبد الرحمن بن عياش الأنصاري ثم السمعي عن دلهم بن الأسود بن عبد الله عن أبيه عن عمه لقيط بن [ ص: 48 ] عامر وهو أبو رزين العقيلي أنه خرج وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق قال: فقدمنا المدينة لانسلاخ رجب، فصلينا معه صلاة الغداة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس خطيبا فقال: أيها الناس إني قد خبأت لكم صوتي مذ أربعة أيام إلا لأسمعكم، هل من امرئ بعثه قومه؟ فقالوا: اعلم لنا ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعله أن يلهيه حديث نفسه أو حديث صاحبه أو تلهيه الضلالة، ألا إني مسئول، هل بلغت؟ ألا اسمعوا تعيشوا، ألا اسمعوا تعيشوا، ألا اجلسوا، ألا اجلسوا، فجلس الناس وقمت أنا وصاحبي، حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره قلت: يا رسول الله، إني سائلك عن حاجتي، فلا تعجلن علي، فقال: سل عما شئت، قلت: يا رسول الله، [ ص: 49 ] هل عندك من علم الغيب؟ فضحك لعمر الله وهز رأسه وعلم أني أبتغي سقطه، فقال: ضن ربك بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله، وأشار بيده، فقلت: ما هن يا رسول الله، قال: علم المنية قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه، وعلم يوم الغيث يشرف عليكم أزلين مشفقين فيظل يضحك قد علم أن غوثكم قريب، قال لقيط: فقلت: يا رسول الله، لن نعدم من رب يضحك خيرا، وعلم ما في غد، قد علم ما أنت طاعم غدا ولا تعلمه وعلم يوم الساعة. قال: وأحسبه ذكر ما في الأرحام. قال: قلت: يا رسول الله، علمنا مما تعلم الناس وما تعلم، فإنا من قبيل لا يصدقون تصديقنا أحد من مذجح التي تدنو إلينا وخثعم التي توالينا، [ ص: 50 ] وعشيرتنا التي نحن منها.

قال: تلبثون ما لبثتم، ثم يتوفى نبيكم صلى الله عليه وسلم، ثم تلبثون ما لبثتم، ثم تبعث الصيحة، فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها شيئا إلا مات، والملائكة الذين مع ربك، فخلت الأرض، فأرسل السماء تهضب من تحت العرش، فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه حتى يخلفه من قبل رأسه، فيستوي جالسا يقول: ربك مهيم؟ يقول: يا رب، أمس اليوم لعهده بالحياة يحسبه حديثا بأهله، قلت: يا رسول الله، كيف يجمعنا بعدما تمزقنا الرياح والبلى [ ص: 51 ] والسباع؟ قال: أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله؟ الأرض أشرفت عليها، مدرة بالية، فقلت: لا تحيا أبدا، فأرسل ربك عليها السماء فلم تلبث إلا أياما حتى أشرفت عليها فإذا هي شربة واحدة. ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض، فتخرجون من الأصواء ومن مصارعكم فتنظرون إليه وينظر إليكم.

قال: قلت: يا رسول الله، كيف وهو شخص واحد ونحن ملء الأرض، ننظر إليه وينظر إلينا؟ قال: أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله؟ الشمس والقمر آية منه صغيرة، ترونهما في ساعة واحدة ويريانكم ولا تضامون في رؤيتهما، ولعمر [ ص: 52 ] إلهك لهو على أن يراكم وترونه أقدر منهما على أن يريانكم وترونهما. قلت: يا رسول الله، فما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه؟ قال: تعرضون عليه بادية له صفحاتكم ولا تخفى عليه منكم خافية، فيأخذ ربك عز وجل بيده غرفة من الماء فينضح بها قبلكم، فلعمر إلهك ما تخطئ وجه واحد منكم منها قطرة، فأما المؤمن فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء، وأما الكافر فتخطمه بمثل الحمم الأسود، ألا ثم ينصرف نبيكم صلى الله عليه وسلم فيمر على أثره الصالحون، أو قال: ينصرف على [ ص: 53 ] أثره الصالحون، قال: فيسلكون جسرا من النار، يطأ أحدكم الجمرة فيقول: حس، فيقول: ربك أو أنه قال: فتطلعون على حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم على أظمأ ناهلة والله رأيتها قط، فلعمر إلهك ما يبسط يده، أو قال: يسقط واحد منكم إلا وقع عليها قدح يطهره من الطوف والبول والأذى وتخلص الشمس والقمر، أو قال تحبس الشمس والقمر، فلا ترون منهما واحدا. فقلت: يا رسول الله، فبم نبصر يومئذ؟ قال مثل بصرك ساعتك هذه، وذلك في يوم أشرقت الأرض وواجهت الجبال. قال: قلت: يا رسول الله، فبم نجازى من سيئاتنا وحسناتنا؟ قال صلى الله عليه وسلم: الحسنة بعشر أمثالها. والسيئة بمثلها [ ص: 54 ] أو يغفر.

قلت: يا رسول الله، فما الجنة وما النار؟ قال: لعمر إلهك إن للجنة لثمانية أبواب، ما منهن بابان إلا وبينهما مسيرة الراكب سبعين عاما، وإن للنار سبعة أبواب، ما منهن بابان إلا بينهما مسيرة الراكب سبعين عاما.

قلت: يا رسول الله، ما يطلع من الجنة؟ قال أنهار من عسل مصفى وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار كأس ما لها صداع ولا ندامة، وماء غير آسن، وبفاكهة لعمر إلهك ما تعلمون، وخير من مثله معه، وأزواج مطهرة.

قلت: يا رسول الله، أولنا فيهن أزواج مصلحات؟ قال صالحات للصالحين تلذون بهن مثل لذاتكم في الدنيا، ويلذذن بكم غير أن لا توالد. [ ص: 55 ] قلت: يا رسول الله، هذا أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه؟ فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: يا رسول الله، علام أبايعك؟ قال: فبسط النبي صلى الله عليه وسلم يده، فقال: على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وزيال المشركين، وأن الله لا تشرك به إلها غيره.

قلت: وإن لنا ما بين المشرق والمغرب، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وبسط أصابعه وظن أني مشترط شيئا لا يعطينيه، فقلت: نحل منها حيث شئنا ولا يجن امرؤ إلا على نفسه. قال: ذلك لك، حل منها حيث شئت ولا تجن إلا على نفسك. فبايعناه ثم انصرفنا، فقال: ها إن ذين، ها إن ذين [ ص: 56 ] ثلاثا، لمن يقرئني حديثا لأنهم من أتقى الناس لله في الأولى والآخرة، فقال كعب بن الخدارية أحد بني أبي بكر بن كلاب: من هم يا رسول الله، قال بنو المنتفق أهل ذلك منهم. قال: فأقبلت عليه فقلت: يا رسول الله، هل لأحد ممن مضى منا في جاهليته من خير؟ فقال رجل من عرض قريش: والله إن أباك المنتفق في النار، فكأنه وقع حر بين جلد وجهي ولحمه مما قال لأبي على رؤوس الناس فهممت أن أقول: وأبوك يا رسول الله؟ ثم نظرت فإذا الأخرى أجمل فقلت: وأهلك يا رسول الله؟ قال وأهلي لعمر الله، حيث ما أتيت عليه من قبر قرشي أو عامري مشرك فقل: أرسلني إليك محمد فأبشر بما يسوؤك، تجر على وجهك وبطنك في النار. قلت: فما فعل [ ص: 57 ] ذلك بهم يا رسول الله، وكانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه، وكانوا يحسبونهم مصلحين؟ قال: ذلك بأن الله بعث في آخر كل سبع أمم نبيا، فمن أطاع نبيه كان من المهتدين، ومن عصى نبيه كان من الضالين .

التالي السابق


الخدمات العلمية