الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وفي بيع الحاضر للبادي روايتان إحداهما : يصح ، والأخرى : لا يصح بشروط خمسة : أن يحضر البادي لبيع سلعته بسعر يومها جاهلا بسعرها ، ويقصده الحاضر ، ويكون بالناس حاجة إليها ، فإن اختل شرط من ذلك ، صح البيع ، وأما شراؤه له فيصح ، رواية واحدة .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وفي بيع الحاضر ) وهو المقيم في المدن والقرى ( للبادي ) وهو المقيم في البادية ، والمراد هنا من يدخل البلد من غير أهلها ، سواء كان بدويا أو قرويا قاله في " المغني " و " الشرح " ( روايتان ) كذا في " المحرر " و " البلغة " لا ريب أنه بيع منهي عنه لقوله عليه السلام : لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض رواه مسلم ، وعن أنس قال : نهينا أن يبيع حاضر لباد ، وإن كان أخاه لأبيه وأمه متفق عليه ، والمعنى فيه أنه لو ترك القادم يبيع سلعته اشتراها الناس منه برخص ، فإذا تولى الحاضر [ ص: 46 ] بيعها فلا يبيعها إلا بغلاء فيحصل الضرر على أهل المدن ( إحداهما : يصح ) لأن النهي كان في أول الإسلام فوجب زواله ، أو لأن النهي لمعنى المنهي عنه ، فلم يبطل به ( والأخرى : لا يصح بخمسة شروط ) جزم به في " الوجيز " وعليه الأصحاب لعموم النهي ، ولأن ما ثبت في حق الصحابة ثبت في حقنا ما لم يقم دليل على اختصاصهم به وحينئذ فالخلاف مبني على زوال النهي ، أو بقائه ، ورده الزركشي بأنهما مستمران على القول بالبقاء ( أن يحضر البادي ) لأنه متى لم يقدم إلى موضع آخر لم يكن باديا ( لبيع سلعته ) لأنه إذا حضر لخزنها فقصده الحاضر وحضه على بيعها كان ذلك توسعة لا تضييقا ( بسعر يومها ) لأنه إذا قصد بيعها بسعر معلوم كان المنع من جهته لا من جهة الحاضر زاد بعضهم ؛ أي : يقصد بيعها بسعر يومها حالا لا نسيئة ( جاهلا بسعرها ) لأنه إذا عرفه لم يزده الحاضر على ما عنده ( ويقصده الحاضر ) لأنه إذا قصده البادي لم يكن للحاضر أثر في عدم التوسعة ( ويكون بالناس ) وفي ابن المنجا بالمسلمين ( حاجة إليها ) لم يذكر أحمد هذا الشرط ؛ لأنهم إذا لم يكونوا محتاجين لم يوجد المعنى الذي نهى الشرع لأجله ، وظاهره أنه لا يصح ، ولو رضوا به ، وصرح به في " الفروع " في ظاهر المذهب ، وأبطله الخرقي بثلاثة شروط أن يكون الحاضر قصد البادي وقد جلب السلعة للبيع فيعرفه السعر ، وزاد القاضي الشرطين الأخيرين وتبعه جل الأصحاب ، وحكى ابن أبي موسى رواية بالبطلان ، وإن عرف البادي السعر وعنه أو جهله الحاضر ، وعنه : إن قصده الحاضر ، أو وجه به إليه ليبيعه ، ونقل المروذي أخاف أن يكون منة ، جزم بها الخلال .

                                                                                                                          [ ص: 47 ] ( فإن اختل شرط من ذلك ) أي : من الخمسة ( صح البيع ) وزال النهي ؛ لأن الموقوف على شروط يزول بزوال أحدها .

                                                                                                                          فرع : إذا أشار حاضر على باد ، ولم يتول له بيعا لم يكره ، ويتوجه إن استشاره ، وهو جاهل بالسعر لزمه بيانه لوجوب النصح ، وإن لم يستشره ففي وجوب إعلامه إن اعتقد جهله به نظر ، بناء على أنه هل يتوقف وجوب النصح على استنصاحه ويتوجه وجوبه ، وكلام الأصحاب لا يخالفه ، ذكره في " الفروع " ( وأما شراؤه له ، فيصح ؛ رواية واحدة ) لأن النهي إنما ورد عن البيع لمعنى يختص به ، وهو الرفق بأهل الحضر موجود في الشراء للبادي ، إذ الخلق في نظر الشارع سواء ، ونقل ابن هانئ لا يشتري له كالبيع ، وكرهه طائفة من السلف منهم الليث .

                                                                                                                          مسائل : الأولى : يحرم التسعير على الناس بل يبيعون أموالهم على ما يختارون لحديث أنس ، ويكره الشراء به ، وإن هدد من خالفه حرم وبطل في الأصح ويحرم : بع كالناس في الأشهر ، وأوجب الشيخ تقي الدين إلزامهم المعاوضة بثمن المثل ، وأنه لا نزاع فيه .

                                                                                                                          الثانية : يحرم الاحتكار ، وهو شراء الطعام محتكرا له للتجارة مع حاجة [ ص: 48 ] الناس إليه ، فيضيق عليهم ، نص عليه في قوت آدمي وعنه : وما يأكله الناس وعنه : أو يضرهم ادخاره بشرائه في ضيق ، قال في " المغني " من بلده لا جالبا ، والأول نقله القاضي وغيره ، ويصح شراء محتكر ، وفي " الترغيب " احتمال ، ويجبر المحتكر على بيعه كما يبيع الناس ، فإن أبى وخيف التلف فرقه الإمام ويردون مثله ، وقيل قيمته ، وكذا سلاح لحاجة قاله الشيخ تقي الدين ، وقال : ومن ضمن مكانا ليبيع ويشتري وحده كره الشراء منه بلا حاجة ويحرم عليه أخذ زيادة بلا حق قال أحمد : استغن عن الناس ، لم أر مثله ، الغنى من العافية .

                                                                                                                          الثالثة : لا يكره ادخار قوت أهله ودوابه ، نص عليه ، ونقل جعفر سنة أو سنتين ، ولا ينوي التجارة فأرجو أن لا يضيق .




                                                                                                                          الخدمات العلمية